(يا كاتبًا فرحي)
قَدْ عِيلَ صَبْرِي كَذَا الآمَالُ مُوحِشَةٌ
َوَسُدَّ حُلْمِي بِقَاعِ النَّفْسِ بِالزُّبَرِ
لَمْ يَبْقَ فِي الفَأْلِ بَهْجَاتٌ وَأُغْنِيَةٌ
سِوَى أَنِينٍ وَآهٍ فِي شَجَى الوَتَرِ
الوَجْهُ فِي وَطَنِي مُكَشِّرٌ عَبِسٌ
وَإنْ هَجَجْتُ فَزَادُ النَّحْسِ فِي سَفَرِي
لَا شَيْءَ أَكْتُبُ فِي كُرَّاسِ ذَاكِرَتِي
غَيْرَ الظِّلَالِ وَأَشْلَاءٍ مِنَ الصُّوَرِ
يَا كَاتِبًا فَرَحِي هَلَّا مَرَرْتَ بِنَا
أَشْمِمْ فُؤَادِيَ قِسْطًا مِنْ حَلَا القَدَرِ
أَدْرِكْ أُفُولَ هِلَالِ العُمْرِ فِي عَجَلٍ
أَبْطِئْ خُطَاهُ وَلَوْ شَطْرًا مِنَ السَّحَرِ
▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️
تحليل:
(يا كاتبا فرحي) قصيدة على (البحر البسيط) تعبِّر عن ألم داخليٍّ عميق ومعاناة وجوديَّة مفعمة بالأسى، متوشِّحة بالحنين، تنطلق من خيبة أمل وشعور بالغربة في الوطن، وتنتهي بنداء أملٍ خَجِلٍ إلى القدر علَّه يخفًّف من وطأة هذا الشعور.
وتفصيله:
١. "قَدْ عِيلَ صَبْرِي كَذَا الآمَالُ مُوحِشَةٌ"
افتتاح بنغمة شكوى عميقة، تحمل نغمة الانكسار واليأس، وتوحي بحالة نفسيِّة مرهقة تشير إلى نفاد الصبر، و(عيل) بمعنى: نَفِد أو وُهِن. ثمَّ يُقرن ذلك بوحشة الآمال، ويكأنَّها صارت مكانًا موحشًا لا رجاء فيه.
٢. "وَسُدَّ حُلْمِي بِقَاعِ النَّفْسِ بِالزُّبَرِ"
هذا العجز كناية عن انطفاء الأمل، وينضوي على صورة شعريَّة تُحاكي الحلم الذي كان مرتفعًا، فأُغلق ودُفن في أعماق النفس بأغلال (الزُّبَر)، وهي قطع الحديد. واستخدام كلمة "سُدَّ" يوحي بالقمع والقهر، وكأنَّ الحلم صار حبيسًا داخل النفس لا يقوى على الخروج والتنصُّل.
٣. "لَمْ يَبْقَ فِي الفَأْلِ بَهْجَاتٌ وَأُغْنِيَةٌ"
يشير هذا الصدر إلى اتِّساع دائرة الحزن لتشمل حتى الرجاء، وإلى انعدام مظاهر الفرح حتى في التوقُّعات والتفاؤل (الفأل).
٤. "سِوَى أَنِينٍ وَآهٍ فِي شَجَا الوَتَرِ"
هذا الشطر يكمل السابق؛ فبدلًا من الألحان، هناك أنين وآهات. وتعبير "في شجى الوتر" يوحي بأنَّ حتى الموسيقى باتت حزينة، تحاكي وجع الشاعر. وهي استعارة تمثيليَّة مفادها أنَّه حتى الأوتار باتت نائحة حزينة.
٥. "الوَجْهُ فِي وَطَنِي مُكَشِّرٌ عَبِسٌ"
فيه تشخيص للوطن وكأنَّه إنسان، ووجهه "مكشِّر" و"عبس"، وهي صورة معبِّرة عن حال الوطن المكفهرِّ والمليء بالضيق.
٦. "وَإنْ هَجَجْتُ فَزَادُ النَّحْسِ فِي سَفَرِي"
أي حتى الهجرة والهروب لم تجلب خلاصًا؛ بل يلاحق النحس الشاعر في سفره كما لاحقه في وطنه.
٧. "لَا شَيْءَ أَكْتُبُ فِي كُرَّاسِ ذَاكِرَتِي"
حتى الذاكرة أصبحت فارغة من كلِّ ما هو جميلٌ أو حيٌّ، فلا يُكتب فيها شيءٌ ذو قيمة.
٨. "غَيْرَ الظِّلَالِ وَأَشْلَاءٍ مِنَ الصُّوَرِ"
وهو تكملة للشطر السابق يبيِّن كيف أنَّه لم يبقَ في صفحة الذاكرة إلَّا الظلال (الأطياف الباهتة) وأشلاء الصور (الذكريات الممزَّقة)؛ أي إنَّ الذاكرة باتت مشوَّهة تماما ومشوَّشة. وهي كناية عن فقدان المعنى من الماضي، ما لا يختلف عن رؤى المستقبل.
٩. "يَا كَاتِبًا فَرَحِي هَلَّا مَرَرْتَ بِنَا"
استعارة تمثيليَّة جسَّدت للفرح كاتبًا يدوِّن مقادير الناس، يناديه الشاعر طالبًا منه المرور على مسرح حياته الدراميَّة.
١٠. "أَشْمِمْ فُؤَادِيَ قِسْطًا مِنْ حَلَا القَدَرِ"
يطلب ولو جزءًا ضئيلًا من لذاذات الحياة. "أشمم فؤادي" تعني لوِّح له ببعض الحلاوة ليشتمَّها قلبه، عساه يعيش طعم الأمل مجدَّدًا.
١١. "أَدْرِكْ أُفُولَ هِلَالِ العُمْرِ فِي عَجَلٍ"
الهلال (رمز لحركة الحياة في خواتيمها) بدأ يأفل. والعمر يوشك على الانتهاء بسرعة. وفيه استشعار قرب النهاية مع اليأس من التغيير.
١٢. "أَبْطِئْ خُطَاهُ وَلَوْ شَطْرًا مِنَ السَّحَرِ"
يتمنَّى إبطاء سرعة خمود العمر، ولو لحظة من السحر الذي يمثل آخر ساعات الأمل والرجاء، فهو أفضل أَوقات الدعاء والاستجابة.
▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️▪️
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|