العلاقة بين الأخلاق والمعرفة
لو قُدِّر لنا أن نزورَ رَحِمًا حاملاً لِنُخْبِرَ جَنِيْنَه - بعد فرض أنه أُعْطِيَ من الإدراك ما يكفي لفهم كلامنا - بأنَّ خارجَ الرحم الذي يسبحُ فيه عالَمٌ أوسعُ بمليارات المرات، فيه ما فيه من الكواكب، والنجوم، والمخلوقات متعدِّدة الأجناس والأنواع والأصناف، فهل نعجب حينئذ فيما لو أنكر الجنين هذه الحقائق، ونَعَتَها بالخرافة؟ لا ينبغي التعجُّب من موقف هذا الجنين؛ لأن ما أعطِيْهِ من إدراكٍ لفهم كلامنا، لا يكفيه للتصديق به، والحال أنه يقبع في ظلِّ ظلمات ثلاث تحجبه عن خارجها. إذا عرفت ذلك، فاعلم أن القلوب التي تسكنها الرذائل، وتُسَرْبِلُها الأوهام، وترتع حولها الشياطين، يحجبها الصدأ عن عالم المعرفة الحقَّة، فتبقى عند بابها دون أن يتسنَّى لها الوصولُ إلى أعماقها، وبَقْرِ أسرارها، والتحليق في ملكوتها؛ وإلى ذلك أشار النبي : "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم، لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض"( ). وعليه، فمن أراد أن ينقذف نور المعرفة في قلبه، لزمه أن يطهِّره من الخبائث الحاصلة عن الأخلاق الرذيلة، فإنه بكل تخلية يُجْلي عن مرآة قلبه شيئا من الكدورة، وبكل تحلية يصقلها لتصبح أكثر استعدادا لتلقي فيوضات الهداية من لدنه ، قال (عَزَّ من قائل): وَالَّذِيْنَ جَاهَدُوا فِيْنَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا( ).
|