🔴 نكتة قرآنية عقائدية (سلطة الموت)
و(النكتة) هي الأمر الدقيق الذي يحتاج بعد تصوُّره إلى مُداقَّة في النظر والتمحيص.
قال (عَزَّ مِنْ قائل): {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۗ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۚ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}[سورة يونس: ٤٩]
- المعنىٰ:
ما من شيء يحدث في عالم الإمكان خارجًا عن مشيئة الله تعالىٰ، ضَرًّا كان أم نفعًا، ومنه (الموت) حُدُوثًا وتوقيتا؛ فإنَّ حدوث الموت بيد الله وحده، ومعلوم في علمه الأزلي، ومؤقَّت بأجَل لا يتأخَّر عنه ولا يتقدَّم، ولا يملك أحد من المخلوقين السلطة عليه أو أنْ يُبعد ميقاته أو يُدنيه أو يَسبق إليه؛ قال تعالىٰ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}[سورة الواقعة : ٦٠]
- الإشكال:
فإذا كان الأمر كذلك، فلقائل أن يقول:
إذا طبَّقنا هاتين الآيتين المباركتين على حادثة القتل، فيستفاد منهما التالي:
أولا: إنَّ القاتل لا يملك السلطة على حياة وموت المقتول أصلا.
ثانيا: إنَّما يُحْدِثُ القاتلُ القتلَ في حين أجَل موت المقتول الذي حدَّده الحقُّ سبحانه مُسبقا، فهو لا يملك تأخيره ولا تقديمه ولا السبق إليه. وموت المقتول حاصل لا محالة في أجَله وساعته وعلى أيِّ حال؛ أي سواء أقدم القاتل على القتل أم لا.
وعليه، فإنَّ المقتول ميت في حين أجَله المقدَّر له والذي اتَّفق اتِّحاده زمانًا مع حين القتل حتى لو لم يُقْدِمِ القاتل على قتله، فما كان المقتول ليكون حيًّا حين القتل على أيِّ حال سواء بسط القاتل يده إليه ليقتله أم لا؛ وذلك لفرض أنَّ حين القتل هو هو حين أجَله المحتوم؟!
إذا عرفنا ذلك، فلقائل أنْ يقول:
إذا كان القاتل لا يملك سلطة على إنهاء حياة المقتول ولا توقيته؛ لأن الحياة والموت وأجَلهما بيد الله وحده، فعلامَ يُقْتَصُّ منه؟!
- والجواب:
إنَّ الاقتصاص من القاتل ليس لدعوى إنهائه حياة المقتول - كما يُتداول على ألسنة الناس تسامحًا منهم أو غفلةً عن كون الحياة والموت بيد خالقهما وحده لا شريك له - وإنَّما لتعدِّيه على حُرْمَة الحياة. أما الحياة نفسها، فهي بِيَدِ مَنْ نَفَخَها حين خَلْقِها ومَنْ تَوَفَّاها حين أجَلِها. إذًا المقتول لم يمت حقيقةً بقتل قاتله، بل بتوفي اللهِ روحَه حين تعدِّي القاتلِ على حُرْمَة حياته.
- وتقريبه:
إنَّ الحياة كساحة الدار المُسَوَّرَة المنيعة على غير مالكها، ألا ترىٰ أنَّ مَنْ يرشق سُورَها يُقال فيه: (اعتدى على حُرْمَة الدار)، فيُعاقب على اعتدائه رغم أنه لم يبلغ ساحة الدار ولم يَدُسْ حريمها؟! كذلك هو القاتل، فهو معتدٍ على حُرْمَة الحياة ولكنه غير قادر على بلوغ سِرِّها؛ لأنَّ الروح منيعة إلا على بارئها، فلا يملك سواه أنْ ينزعها؛ قال تعالىٰ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[سورة الإسراء: ٨٥]
وهذا المطلب في غاية الدِّقة يستأهل مِنَّا التَّعقُّل والتأمُّل والتدبُّر مَلِيًّا. والله العالم بحقائق الأمور.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|