🐎 سياسة الحصان
وقعَ حصانُ أحدِ المزارعينَ في بئرٍ، وكانتْ نَضِبَةً مِنَ المياهِ. ثم بدأَ الحصانُ بالصهيلِ مستمرًّا علىٰ هذه الحال لساعات... وكانَ المزارعُ خلالَها يفكِّرُ بطريقةٍ لاستعادةِ الحصانِ، فَلَمْ يستغرقْه التفكيرُ وقتًا حتىٰ أقنعَ نفسَه بأنَّ الحصانَ قد أصبحَ عجوزًا، وأنَّ كُلْفَةَ استخراجِه توازي ثمنَ حصانٍ جديدٍ!
نادىٰ المزارعُ جيرانَه لمساعدتِه في رَدْمِ البئرِ علىٰ رأسِ الحصانِ المسكينِ؛ وبذلك يضربُ عصفورينِ بحجرٍ واحدٍ: دَفْنُ الحصان، وَرَدْمُ البئرِ مجَّانًا بمساعدةِ الجيرانِ، وهو ما كان سيفعلُه علىٰ كلِّ حالٍ بعد أنْ نضبتْ ماءُ البئرِ.
تعاضدَ الجيرانُ علىٰ استخدامِ المجارفِ والمعاولِ لجمعِ الترابِ تمهيدًا لإلقائِه في البئرِ وصولاً إلىٰ رَدْمِه فوقَ الحصانِ الذي لم ينفكْ يصهلُ صهيلَ الخائفِ الحيرانِ؛ حتىٰ تَفَطَّنَ لنوايا صاحبِه الذي ما بَرِحَ يحملُه وينقلُه علىٰ صهوتِه مِنْ مكانٍ إلىٰ آخرَ بكلِّ إجلالٍ واحترامٍ! وهنا حَقَّ قولُ الحقِّ سبحانه: {وَهَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إلا الإِحْسَانُ}؟! ثمَّ سكتَ الصهيلُ فجأةً ليحلَّ مكانَه الصمتُ المُريبُ!
توقَّفَ الجميعُ عَنِ الردمِ، واقتربوا مِنْ حَافَّةِ البئرِ لاستطلاعِ الأمرِ! فوجدوا أنَّ الحصانَ قد شارَفَ حَافَّةَ البئرِ؛ وأنَّ كلَّ ما أهالوه عليه مِنَ الترابِ قد أصبحَ تحتَ حوافرِه؛ حيث كان يهزُّ صَهْوَتَهُ، لِيُسْقِطَه عنه، ثمَّ يعلو فوقَه حتىٰ بلغَ حافَّةَ البئرِ قافزًا خارجَه!
زُبْدَةُ المَخَاضِ:
لا تبرحُ الحياةُ تُلقي بأثقالِها وأوجاعِها علىٰ كاهِلِنا يومًا بعدَ يومٍ، ومهما حاوَلْنا أنْ ننساها، فهي لن تنسانا. لذا حَقِيْقٌ بنا أنْ نُلْقِيها خَلْفَنا بَدَلَ الدَّأْبِ علىٰ شكايتِها المُفْضِيَةِ إلىٰ إحباطِنا وكآبتِنا إلىٰ أنْ تَبْخَعَنا تمامًا.
ولنتطلَّعْ إلىٰ مستقبلٍ واعدٍ نجترحُه بأيدينا بإصرارِ ووثاقةِ المحاربين. فإنَّنا إنْ فَعَلْنا ذلك، فلن يَقْدِرَ أحدٌ علىٰ هزيمتِنا طالما لم نخرجْ مِنْ حَلَبَةِ الصبرِ، وما زِلْنا نواصلُ المحاولةَ تِلْوَ المحاولةِ، جاعلين مِنْ سقوطِنا كلَّ مرَّةٍ بداياتٍ جديدةً حتىٰ آخرِ نَفْسٍ نَسْتَوْفِيهِ مِنْ هذه الحياةِ التي لا تحترمُ الضعفاءَ.
وما أعظمَه مَنْهَجًا هذا القولَ النبويَّ: "إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ، وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيْلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أنْ لَا يَقُومَ حتىٰ يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ".
➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب:009613804079

|