﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 المنتحر ليس كافرا 

القسم : متفرقات فقهية   ||   التاريخ : 2025 / 10 / 28   ||   القرّاء : 64

🔴 المنتحر ليس كافرا

الأدلَّة والمؤيِّدات

▪️أوَّلًا:

لا توجدُ آيةٌ في الكتبِ السماويَّةِ، ولا حديثٌ في النصوصِ الدينيَّةِ تَصِفُ المنتحِرَ بـ(الكافر) علىٰ نحوٍ مطلقٍ وكيفما وَقَعَ واتَّفَقَ.

أما الأحاديثُ الدينيَّةُ التي ذَكَرَتْ بأنَّ المنتحِرَ عاقِبَتُه الخلودُ في النارِ، فإنَّها محمولةٌ على التغليظِ والزجرِ لعدمِ التساهلِ في إزهاقِ النفسِ، كما إنَّها ناظرةٌ إلىٰ مَنِ استحلَّ قتلَ النفسِ، وإلىٰ خصوصِ اليائسِينَ مِنْ رحمةِ اللّٰهِ تعالىٰ يأسًا مُطْبِقًا سرىٰ إلىٰ عقولِهم وقلوبِهم؛ وعلىٰ أنْ يكونَ مُنْبَعِثًا مِنْ نُكْرانِ الذاتِ الإلهيَّةِ، أو تكذيبِ ما أتىٰ به النبيُّونَ مِنْ مفاهيمَ دينيَّةٍ كالبَعْثِ والنُشُورِ والثوابِ والعقابِ والجَنَّةِ والنَّارِ... وبذلك استحقَّ أنْ يكونَ - والحالُ هذه - كافرًا. ولكنْ هنا تكونُ عقيدتُه الفاسدةُ هي عِلَّةُ تكفيرِه، وليسَ انتحارُه بما هو هو، وإنَّما كانَ الانتحارُ مجرَّدَ كاشِفٍ عَنْ هذه العقيدةِ وليسَ عِلَّةً له؛ قالَ تعالىٰ: {وَلَا تَـيأسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكٰفِرُونَ} [سورة يوسف: 87]

▪️ثانيًا:

إنَّ الشرائعَ الإبراهيميَّةَ الثلاثةَ (اليهوديَّةَ والمسيحيَّةَ والإسلامَ) تُوجِبُ قاطبةً القيامَ بجميعِ المراسِمِ والطقوسِ الدينيَّةِ تجاهَ المنتحِرِ غيرِ فاسدِ العقيدةِ؛ كتغسيلِه وتحنيطِه وتكفينِه والصلاةِ عليه ودفنِه في مقابرِ المؤمنِينَ... فلو كانَ حكمُه حُكْمَ الكافرِ لَمَا جازَ ذلكَ كلِّه! 

▪️ثالثًا:

إنَّ الكفرَ مِنْ لوازمِ العقيدةِ، فهو إخلالٌ بعقيدةِ الإيمانِ، وهذا لا صِلَةَ له بالانتحارِ الذي لا يَعْدُو عَنْ كونِه خَلَلًا نفسانِيًّا يُخْرِجُ الإِنسانَ عَنْ حَدِّ الاعتدالِ، وهذا ما يقعُ للمؤمنِ كما يقعُ لغيرِه علىٰ حَدٍّ سَوَاءٍ. 

▪️رابعًا:

أيُّ إنسانٍ لديهِ دِرايَةٌ بسيطةٌ في الشريعةِ، يُدرِكُ أنّ مَنْ يقتلُ مئاتِ الأشخاصِ وإنْ كان يُعْتَبَرُ مُجْرِمًا مُتَعَدِّيًا حدودَ اللهِ إلىٰ أقصىاها، إلا أنَّه لا يُعْتَبَرُ (كافرًا). فكيف اسْتَسَاغَتْ هذه النفوسُ وتجاسرتْ في تكفيرِ إنسانٍ لم يَقْتُلْ سوىٰ نفسِه الواحدةِ وفي حالةٍ نفسيَّةٍ لا يعلمُها إلا اللهُ؟!

ولا يغفرُ لهؤلاءِ دعواهُم أنَّهم إنَّمَا أذاعُوا كُفْرَ المنتحِرِ تَرْهِيبًا له حتىٰ لا تُسَوِّلَ لأيِّ أحدٍ نفسُه مجرَّدَ التفكيرِ في الانتحارِ! لأنَّ هذا الأسلوبَ فضلًا عَنْ كونِه افْتِرَاءً وَزُورًا بِحَقِّ الشرائعِ، فهو يزيدُ الأمرَ خطورةً وتعقِيدًا؛ حيثُ يُشْعِرُ هذا الإنسانَ المُتَهالِكَ أنَّه مَنْبُوذٌ مِنَ الأرضِ والسماءِ؛ كالطائرِ الهائِمِ الجريحِ الذي لم يَحْظَ بِغُصْنٍ يستقرُّ عليه لِتُطَبَّبَ جِراحُهُ! 

▪️خامسًا:

إنَّ الكثيرَ مِنْ حالاتِ الاضطرابِ النفسِيِّ أو الذُّهانِ أو الفِصَامِ بل بعضِ النوباتِ العُصَابِيَّةِ ... قد تُخْرِجُ الإنسانَ عَنْ طَوْرِه، وتَسْلُبُهُ خَاصِيَّةَ التَّحَكُّمِ بِتَصَرُّفَاتِهِ المُوكَلَةِ إلىٰ الفَصِّ الجَبْهِيِّ في مُقَدِّمَةِ الدماغِ؛ بحيثُ يكادُ أنْ يصبحَ غيرَ مسؤولٍ عَمَّا يصدرُ عنه. ولا يخفىٰ أنَّ العِقابَ والعِتابَ - عقلًا وشرعًا - مرتفعانِ عَنِ الإنسانِ إنْ لم يكنْ مُخْتارًا في أفعالِه وتُرُوكِه؛ لأنَّها والحالُ هذه تتجاوزُ وُسْعَهُ و{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...} [سورة البقرة: 286]

 

المُدان الحقيقيُّ

إنِّه مِنَ الظلمِ وقساوةِ الوجدانِ وقصورِ البصيرةِ صَبُّ المسؤوليَّةِ كاملةٍ علىٰ المنتحِرِ، والحالُ أنَّه لا يخفىٰ علىٰ أُولي الأَلْبابِ الذين يُمَيِّزونَ القِشْرَ مِنَ اللُّباب أنَّ المُدانَيْنِ الحقيقيَّيْنِ في قضيَّةِ (الانتحارِ) هما:

▪️ المُدانُ الأولُ:

وهو المجتمَعُ الذي أَوْصَلَ هذا الإنسانَ إلىٰ اليأسِ التامِّ مِنْ أنْ يَحْظَىٰ بفرصةٍ واحدةٍ تمنحُه أملَ العيشِ بسلامٍ وكرامةٍ في ظلِّ هذا المجتمعِ القاسِي واللئيمِ. 

▪️ المُدانُ الثاني:

وَهُمُ الناسُ أنفسُهم ابتداءً مِنَ العائلةِ إلىٰ الأقاربِ إلىٰ سائرِ المحيطِ مِنَ الناسِ الذين بِأَنَانيَّتِهِم لم يشعرُوا بِأَلَمِ هذا الإنسانِ الذي يعيشُ بينَ ظَهْرانِيْهم، بل غالبًا ما يكونون عالمِينَ بألمِه، مبصرِينَ لشدَّةِ يأسِه، شاهدِينَ علىٰ جُمُوحَه إلىٰ إنهاءِ حياتِه، ورغم ذلك لم يُحَرِّكُوا ساكِنًا، وإنَّما تركُوه فريسةً لحزنِه وانكسارِه. فلو كانَ المجتمعُ والعائلةُ والناسُ قد أحاطُوه واحتَوَوْه علىٰ المستوىٰ الإنسانيِّ، لَمَا تمكَّنَ اليأسُ مِنْ تخطِّي مُنَبِّهاتِ غريزةِ البقاءِ لديه، وحِصْنِ رَفْضِ عقلِه السليمِ فكرةَ إنهاءِ حياتِه وهي أغلىٰ ما يملكُ! 

فَلْنَتَّقِ اللّٰهَ، وَلْنَدَعِ الحُكْمَ علىٰ عِبادِ اللّٰهِ بالكفرِ والإيمانِ للّٰهِ، فهو وَحْدَهُ الشاهدُ علىٰ القلوبِ وأسرارِها، والمحيطُ بخفايا النفوسِ ومكنوناتِها.

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 النيرفانا في البوذيَّة والتصوُّف

 المنتحر ليس كافرا

 السيدة زينب ولادتها وفاتها مدفنها

 التوكل والتفويض والتسليم والثقة

 متلازمة بيتر بان (peter pan syndrome)

 رجعت حليمة لعادتها القديمه

 هل عفت نفسك

 الوطن بين الوعي والاستغلال السياسي

 المراهنة

 الحب فطري وشرعي

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الوصية

 للنوم وحالاته

 التطهير

 للصلاة وأفعالها

 التسليم عند ديفيد هاوكينز

 المناجاة التاسعة: مناجاة المحبين

 ها قد بشر نصر الله

 نية وكيفية الوضوء

 التحية بين الرجال والنساء

 هل الصدق حسن دائما؟

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net