﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 فلسفة تدوير الأحزان (الترميم بالذهب)  

القسم : متفرقات ثقافية   ||   التاريخ : 2025 / 04 / 19   ||   القرّاء : 137

🔴 فلسفة تدوير الأحزان (الترميم بالذهب) 

(فلسفةُ تدويرِ الأحزانِ)، أو كما يعبَّرُ عنها في الفلسفةِ اليابانيَّةِ: (فلسفةُ الترميمِ بالذهبِ) #Kintsugi_Philosophie، وهي حكمةٌ تُحاكيِ لحظاتِ الانْكِسِارٍ التي تعترينا في حيواتِنا فتستنفرُ صبرَنا بقدرِ إيمانِنا وعزمِنا وإرادتِنا، وربما استنفدَتْه في ظلِّ الآلامِ والفجائعِ والابتلاءاتِ التي تُحَطِّمُنا كما يَتَحَطَّمُ الزجاجُ وتتنافرُ أجزاؤُه، فَتَضَعُنا بينَ خِيَارَيْنِ:

فإمَّا أنْ نَرْضَخَ، فَنُبْقِي علىٰ أجزائِنا مُشَتَّتَةً، وبذلك تصبحُ نفوسُنا تائهةً في مجاهيلِ الدنيا؛ كالسائرِ في البَيْدَاءِ بلا بَوْصَلَةٍ، لا تزيدُه كثرةُ السيرِ إلا بُعْدًا.

وإمَّا أنْ نَسْتَجْمِعَ أجزاءَنا، فَنَصِلَها بما تَبَقَّىٰ مِنْ مزيجِ ماءِ ذهبِ الأملِ والإيمانِ، دونَ الخضوعِ للأوهامِ التي تُخْبِرُنا بأنَّ أجزاءَنا بِوَصْلاتِها أمستْ قبيحةً كئيبةً قاتمةً لا يصلحُ العيشُ معها، فهذا ما تقولُه عيونُ الإحباطِ التي لا تَرَىٰ أبعدَ مِمَّا يُجابِهُها. 

أما العيونُ الواعِيَةُ والقلوبُ البَصِيْرةُ، فَتُرِيْنا كيف أنَّ تجاربَ الماضي وأحزانَه قد صَنَعَتْ مِنَّا بانكسارتِها هذه تُحْفَةً نادرةً، تَلْمَعُ تقاطيعُها بماءِ الذهبِ الغالي؛ لأنَّ الدنيا لا تُعطي دروسًا بِالمَجَّانِ لِأَحَدٍ، وإنما تأخذُ غاليَ الأثمانِ مِنَّا بعدَ كلِّ سقوطٍ في وادي الفشلِ والخديعةِ والخيانةِ وسوءِ الاختيارِ. 

وعليه، علىٰ العاقلِ الحكيمِ الخبيرِ أنْ ينظرَ إلىٰ نفسِه اليومَ علىٰ ما هي عليه، مِنْ أنَّها حصيلةُ أيامِ عمرِه بِحُلْوِها وَمُرِّها، وأنَّها كلُّ ما يَمْلِكُ لِبَحْمِلَهُ مَعَه في طريقِه إلىٰ العالمِ الأبديِّ، وليس كما قد يُخَيِّلُ له الوهمُ مِنْ أنَّها صورةٌ مشوَّهةٌ لحياةٍ تَعِسَةٍ. 

فلننطلقْ في حيواتِنا بِصَدْرٍ مُنْفَتِحٍ علىٰ كلِّ تجربةٍ ارْتَأَيْنا اقتحامَها مهما كانتْ عواقبُها؛ كما جاءَ في الحديثِ: "إنْ خِفْتَ أمرًا، فَقَعْ فيه، فإنَّ الوقوعَ فيه خيرٌ مِنَ الخوفِ منه".

وَلْنَكْفُفْ عَنِ الضغطِ علىٰ جراحِنا بتكرارِ ذِكْرِها وإطالةِ البكاءِ علىٰ أطلالِها؛ باعتبارِها مآسٍ شَلَّتْ ما تَبَقَّىٰ فينا مِنْ طاقةٍ.

فَلْنَكْفُفْ عَنْ ذلك كي لا نَجْتَرَّ الآلامَ مِنْ جديدٍ، ونُعَرِّضَ أنفسَنا وأرواحَنا لانكسارٍ جدیدٍ، فننظرُ إلىٰ جراحِ الماضي وصرخاتِه التي لا تعيبُنا - لأنَّ حتىٰ الأقوياءُ يصرخون ألمًا - علىٰ أنَّها جزءٌ منَّا وَمِنْ هُوِّيَّتِنا، وأنَّنا ناقصون مِنْ دونِها، وأنَّ لها الدورَ الأساسَ في صناعةِ شخصيَّتِنا.

ولا يخفىٰ علىٰ أُوْلِي الْأَلْبَابِ الذين يميِّزون القِشْرَ مِنَ الْلُّبَابِ، أنَّ الأفراحَ غالبًا ما تكونُ سطحيَّةً سُرْعَانَ ما يتلاشىٰ وميضُها، بينما تَتَسَلَّلُ الأحزانُ إلىٰ أعماقِنا لِتُرَبِّي فِيْنا مَلَكَاتٍ متينةً، تجعلُنا أكثرَ صلابةً وأشدَّ مِراسًا. 

هكذا فَعَلَ اللّٰهُ تعالىٰ مع جنودِه قَبْلَ أنْ يُحَمِّلَهم راياتِه؛ فهذا موسیٰ النبيُّ (عليه السلام) بَعْدَ أنْ مَرَّ بالشَّاقَّاتِ الجسيماتِ، أَعْلَمَه ربُّه أنَّ كلَّ ما نَزَلَ به كان بمشيئتِه تعالىٰ؛ لِيَكُونَ علىٰ قدرِ المُهِمَّةِ المُوْكَلَةِ إليه؛ فقال (عَزَّ مِنْ قائلٍ): {وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي}.

ونَحْنُ أيضًا تَحْتَ عينِ اللّٰهِ دائمًا، وَتَتَمُّ صناعتُنا وَتَأْهِيْلُنا علىٰ يدِه. فلا ينبغي أنْ نستخفَّ بأنفسِنا، ونستوحشَ في طريقِ سَقَطاتِنا، فَـ(لَوْ لَمْ يَكُنْ لِوُجُوْدِنا حِكْمَةٌ، لَمَا خَلَقَنا اللّٰهُ؛ لأنَّ الحكيمَ لا يَفْعَلُ العَبَثَ).

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 أنواع الطلاق

 سياسة الحصان

 فلسفة تدوير الأحزان (الترميم بالذهب)

 يسوع عيسى المسيح

 الفوائد الصحية للسجود على الجبهة

 استحباب إرغام الأنف أثناء السجود

 أحد الشعانين (عيد الشعنينة)

 مراتب الزهد

 سُنَّةُ ابْتِلَاءِ المُؤْمِنِينَ

 دعائم التوبة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 مكروهات غسل الميت

 التدخين

 الاختلاط والاختلاء

 لماذا خلقنا الله وما الغاية من الابتلاء

 الوصية

 النية في الصلاة

 دعائم التوبة

 شبهات حول خلق الإنسان من القرآن الكريم

 وجوب النبوة

 إمامة الأئمة بعد علي وأنهم أهل البيت (عليهم السلام)

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net