﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 لا راحة في الدنيا  

القسم : متفرقات أخلاقية   ||   التاريخ : 2025 / 05 / 16   ||   القرّاء : 24

🔴 لا راحة في الدنيا

نعم، هذا ما قالَه عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السلام): "لا رَاحَةَ فِي الدُّنْيَا".

وتوضيحُه:

إنَّ منشأَ الأحزانِ التي يعيشُها الإنسانُ في حياتِه، هو افتراضُه حصولَه على راحةِ البالِ وخِفَّةِ النفسِ في هذه الدنيا، فيعيشُ عمرَه لاهثًا وراءَ هذا الغرضِ وهو عليه محالٌ؛ لذا نراه ينتقلُ من كربٍ إلى كربٍ ومن إحباطٍ إلى إحباطٍ... ولو أنَّه أدركَ معنى الحياةِ وغايتَها، وهي أنَّها محلٌّ للتجاربِ الدنيويَّةِ غيرِ المنفكَّةِ عنه والتي تكفلُ أنْ تحملَه إلى الكمالِ الإنسانيِّ شريطةَ أنْ ينجحَ فيها، لأراحَ واستراحَ.

وبيانُه:

قالَ (عَزَّ مِنْ قائلٍ): {الذي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ}؛ إذًا الضعفُ ذاتيٌّ للإنسانِ لا أنَّه عارضٌ عليه فيفارقُه حينًا ويعرضُ عليه أخرى. والضعيفُ بذاتِه لا يمكنُ أنْ يتحرَّرَ من قيودِ ضعفِه الجسديَّةِ والنفسيَّةِ... وعليه، فإنَّ طَلَبَ الانعتاقِ منها طلبٌ محالٌ وغايةٌ لا يدركُها الإنسانُ.

وكذلك خُفَّةُ النفسِ محالة، فهي مثقلةٌ بهمومِ الحياةِ التي لا تنتهي؛ لذا جاءَ في كلامِ اللّٰهِ لداودَ النبيِّ (عليه السلام): "خَلَقْتُ الرَّاحَةَ في الآخِرَةِ، والنَّاسُ يَطْلِبُونَها فِي الدُّنْيَا فَلَا يَجِدُونَهَا".

إذًا روحُ الإنسانُ ونفسُه لم تخلقا لتكونا خفيفتينِ أو مرتاحتينِ في الدنيا أبدًا؛ ألمْ يقلْ تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}، وقالَ: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}... فأيُّ راحةٍ وخِفَّةٍ يمكنُ للإنسانِ أن ينشدَهما في ظلِّ مكابدتِه وكدحِه اللذينِ لا ينتهيانِ إلا بموتِه؟! 

ثُمَّ تكفيه أمانةُ التكليفِ التي حَمَلَها والتي لا تفارقُه حتى يلفظَ آخرَ أنفاسِه، وهي أمانةٌ لم ترتضِ السماواتُ والأرضُ والجبالُ أنْ يَحْمِلْنَها لِشِدَّةِ ثقلِها وعظيمِ وطأتِها؛ وقد نزلَ في ذلك قرآنٌ؛ حيثُ قالَ الحقُّ (سبحانه): {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.

إذا عرفْنا ذلك، فإنَّ غايةَ ما يمكنُ أنْ نُرْشِدَ الإنسانَ إليه، هو أنْ ينعتقَ من التعلُّقِ بالدنيا والإمعانِ في ركوبِ شهواتِها. وسرُّ الخلاصِ في هذا المقامِ، هو إخلاصُ العبوديَّةِ للّٰهِ تعالى، فإنَّ في ذلك غنى نفسِه ورضاها؛ وإليه ألمعَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في قولِه: "مَنْ أَرَادَ عِزًّا بِلَا سُلْطَانٍ، وَكَثْرَةً بِلَا إِخْوَانٍ، وَهَيْبَةً بِلَا مَالٍ، فَلْيَنْتَقِلْ مِنْ ذُلِّ مَعَاصِي اللّٰهِ إلى عِزِّ طَاعَتِهِ". وقالَ تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا...}؛ أي ضَيِّقَةً خَانِقَةً. فلنتدبَّرْة.

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 الله متكبر

 لا راحة في الدنيا

 حكمة الطير

 لماذا إنا لله راجعون (لا عائدون)؟

 يا كاتب الأفراح

 سياسة التمساح (في الأدب السياسيّ)

 اشتمال الصلاة علي أركان الدين الخمسة

 الحشمة في الكتب السماوية

 الأخ الأكبر (الأدب السياسيّ)

 نكتة قرآنية عقائدية (سلطة الموت)

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الحج والزواج

 إمكان تغيُّر الأخلاق

 هل يستحب المشي في زيارة الحسين (عليه السلام)؟

 غسل السقط

 صوم الحائض والمستحاضة

 أنواع الطلاق

 زيارة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) في الأربعين

 الإمامة في فكر العلاّمة الحلّي

 حقانية علي (عليه السلام) بالإمامة

 المناجاة التاسعة: مناجاة المحبين

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net