﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 خطر إهمال الخمس  

القسم : متفرقات فقهية   ||   التاريخ : 2025 / 09 / 12   ||   القرّاء : 41

🔴 خطر إهمال الخمس

التصرُّف بالمال قبل تخميسه

قال الإمام الباقر (عليه السلام):

<مَنِ اشْتَرَىٰ شَيْئًا مِنَ الخُمْسِ لَمْ يَعْذُرْهُ اللّٰهُ، اشْتَرَىٰ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ>. 

المعنى: مَنِ اشترى شيئا بماله الذي وجب فيه (الخُمْسُ) قبل أنْ يدفعه للمستحقِّ، لم يكن معذورًا عند اللّٰه؛ لأنَّه تَصَرَّفَ بمال اللّٰه غاصبًا له، فما اشتراه لا يكون حِلًّا له حتى يؤدِّي حقَّ اللّٰه فيه...

وبهذه الرواية تتَّضح خطورة عدم دفع الخمس، وحرمة التصرُّف فيه قبل عَزْلِه ودفعِه لمستحقِّيه.

وبما أنَّ إهمال الخمس مِنَ الخطورة بمكان، وجب أنْ نوجز بعض متعلِّقاته تفقيهًا وتنبيهًا وتحذيرًا لمن فاته هذا الواجب الحقُّ، لعلَّه يبادر فورًا إلى إصلاح شأن دينه قبل فوات الأوان، ونزوله في سُكْنَاه البرزخيِّ الذي لا خزنة يكنز فيها ماله، ويلبس فيه كفنه الذي لا جيب فيه. 

 

الخمس سنويٌّ

المعروف فقهيًّا، أنَّ الخمس: "وهو عبارة عَنْ دفع ٢٠٪ من الأرباح السنويَّة التي تزيد عَمَّا احتاجه خلال السنة"، يستحقُّ على المكلَّفين بعد مرور سنة مِنْ بداية رأس سنتهم الخمسيَّة التي تبدأ مِنْ أوَّل ربح أو راتب نحصل عليه، فنخمِّس المال في هذا الموعد حتى الذي حصلنا عليه في اليوم نفسه لموعد رأس السنة الخمسيَّة؛ مثلا: مَنْ ابتدأ العمل في ١/١/٢٠٢٤، يجب أنْ يخمِّس في ١/١/٢٠٢٥ كلَّ ما معه مِمَّا له قيمة ماليَّة مِنْ نقود وغيرها مِنَ الأشياء الزائدة عَنْ حاجته، حتى لو لم يمرَّ على امتلاكها سنة، بل حتى لو حصل عليها قبل يوم واحد مِنْ موعد رأس سنته الخمسيَّة، بل في اليوم نفسه. 

أمَّا ما يتوهَّمه البعض مِنْ أنَّ وقت استحقاق الخمس يكون بعد سنة مِنِ امتلاك المال، فهو غير صحيح البتَّة، فإنَّ هذا الحكم خاصٌّ بِمَنْ ليس له راتب أو مردود؛ أي غير التاجر والموظَّف والعامل، فإنَّ هؤلاء هم الذين يخمِّسون مالهم بعد مرور سنة مِنِ امتلاكهم للمال. فلنتبَّه. 

مهما يكن مِنْ شيء، فإنَّ الأصل في الخمس أنْ يُدفع فور الربح؛ قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال].

لاحظوا كيف أنَّ الآية المباركة لم تقيًّد الخمس بمرور سنة، ولكنَّ اللّٰه تفضَّل على عباده على لسان روايات آل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، بأنْ أعطاهم الفرصة لصرف أرباحهم، ليخمِّسوا ما يبقى بعد سنة.

 

التهرُّب من الخمس

تقدَّم أنَّه على المكلَّف أنْ يخمِّس كلَّ ما معه - مِمَّا لم يخمَّس مِنْ قبل أو لا خمس فيه أصلًا كالورث أو المهر - مِمَّا له قيمة ماليَّة مِنْ نقود وغيرها مِنَ الأشياء الزائدة عَنْ حاجته، أو لم يستعملها، أو استعملها ولكنَّها زائدة عَنْ حاجته، حتى لو لم يمرَّ على امتلاكها سنة؛ فمثلا مَنِ اشترى سيَّارة إضافيَّة، والحال أنَّه لا يحتاجها لضرورة عيشه وشأنيَّته، يجب أنْ يدفع خمسها حتى لو استعملها قبل حلول رأس سنته الخمسيَّة.

وبالتالي، لا يتهرَّب مِنْ وجوب الخمس - بعنوان الحيلة الشرعيَّة - مَنِ اشترى ذهبًا أو أرضًا أو غيرهما... وهو لا يحتاجها في هذه السنة، حتى وإنِ استعملها قبل حلول رأس سنته الخمسيَّة؛ لفرض أنَّه غير محتاج إليها. 

أمثلة :


 

الخمس حقُّ اللّٰه ورسوله والفقراء 

يظهر مِنَ الآية المتقدًّمة {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ...}، أنَّ تَرْكَ الخمس غصب لمال اللّٰه ورسوله وقرابته مِنْ أهل البيت وذرِّيتهم الفقراء، ولكلِّ محتاج مِنَ المؤمنين، فهل المؤمن حقًّا يمكن أنْ يسلب اللّٰه وعياله حقَّهم؟!

وربما توهَّم البعض أنَّ تَرْكَ الخمس يُعينهم على تكديس ثروتهم، ولكنَّ الحقَّ خلاف ذلك؛ لأنَّ في تَرْكِ الخمس سَلْبًا للبركة في المال، ومَنْعًا مِنْ زيادتِه، وتسبيبًا للهمِّ والحَزَنِ، وخسارةً لتكفير الذنوب، وتعريضًا للبلاء مِنَ الأمراض وغيرها، وفوق كلِّ ذلك حرمانًا مِنْ دعائهم (عليه السلام).

ويدلُّ عليه ما جاء في (أكثر) مِنْ رواية مسندة، أنَّ رجلًا مِنْ تجَّار فارس، كتب إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الإذن في الخمس؛ أي أنْ يحلَّ له عدم دفعه، فكتب إليه: "بسمِ اللّٰهِ الرحمنِ الرحيمِ، إنَّ اللّٰهَ واسعٌ كريمٌ، ضَمِنَ على العملِ الثوابَ، وعلى الضيقِ الهمَّ، لا يحلُّ مالٌ إلا مِنْ وجهٍ أحلَّه اللّٰهُ، وإنَّ الخمسَ عَوْنُنا على دينِنا، وعلى عيالاتِنا، وعلى موالينا، وما نبدِّله ونشتري مِنْ أعراضِنا مِمَّنْ نخافُ سطوتَه، فلا تَزْوُوه - أي تُبْعِدُوه - عنَّا، (ولا تحرموا أنفسَكم دعاءَنا) ما قدرتُم عليه، فإنَّ إخراجَه مفتاحُ رزقِكم، وتمحيصُ ذنوبِكم، وما تمهدون لأنفسِكم ليومِ فاقتِكم، والمسلمُ مَنْ يفي للّٰهِ بما عَهِدَ إليه، وليس المسلمُ مَنْ أجابَ باللسانِ وخالفَ بالقلبِ. والسلامُ".

 

خاتمة

إنَّ اللّٰه تعالى شرَّع الخمس - كما الزكاة - لكي لا يبقى فقير على وجه الأرض. والإنسان حينما يخمِّس ماله، لا يتفضَّل على اللّٰه تعالى؛ لأنَّ العبد وما يملك لسيِّده (جلَّ وعلا)، ولكنَّه تعالى رحمةً بعباده، لم يطالبهم بشيء مِنْ تمام حقًّه عليهم إلا خمس ما يغنمون ويزيد عَنْ حاجتهم، ليدفعوه لعياله مِمَّن ضاق عليهم رزقهم وقست عليهم الحياة، وذلك ابتلاءً لهم، لينظر ماذا هم صانعون برزقه الذي وسَّعه عليهم، واختبارا لدينهم، ليعلم المؤمن مِنْ غيره. وهذا المال حقَّ لكلِّ محتاج؛ قال (عزَّ من قائل): {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (٢٤) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) } [المعارج].

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 خطر إهمال الخمس

 التسليم عند ديفيد هاوكينز

 العدالة الاجتماعية بين الفطرة والتجربة

 هل النبيُّ أمِّيٌّ

 نشر الأعمال العباديَّة عن النبيِّ وأهل البيت

 ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر

 التحايل السياسي (الإمام علي والمغيرة - نُصْحُ اليومِ وتحايلُ الغدِ)

 الإسلام القرآني

 انتقال السيدة العذراء

 أرز الله

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 المناجاة الخامسة عشرة: مناجاة الزاهدين

 هل الطلاق أبغض الحلال؟

 مما قيل في الحياة

 المد الجائز المنفصل

 الإخفاء الحقيقي

 الله أزلي أبدي

 زيارة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) المعروفة بزيارة أمين الله

 الاحتضار

 العائلة نواة المجتمع

 وجوب عصمة النبي والإمام

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net