﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 تنزيه المعصومين عن السهو والخطأ والنسيان 

القسم : عصمة وأفضيلة النبي والإمام   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 16879

في تنـزيه المعصومين (عليهم السلام) عن السّهو والخطأ والنسيان (1) في جميع الأزمان:

     ← بداية نقول : إنّ أفعال الأنبياء لا تخلو من أقسام أربعة :

     أوّلا : الإعتقاد الدينيّ .
     ثانيا : الفعل الصّادر عنهم من الأفعال الدينيّة .
     ثالثا : تبليغ الأحكام ونقل الشريعة .
     رابعا : الأفعال المتعلّقة بأحوال معاشهم في الدنيا مِمَّا ليس بدينيّ .

     ونستدلّ على تنـزيههم عن كلّ ذلك عقلا وسمْعا :

     ←الأدلّة العقليّة :
     ◄ الأوّل : لو جاز شيء من ذلك (2) عليهم (عليهم السلام) لزم التنفير منهم ، وسقوط محلِّهم من القلوب ، وعدم قبول أقوالهم وأفعالهم لضَعف الثِّقة بهم ، وهذا نقض للغرض ، وقد تبيَّنت استحالته .

      ولو قيل : ولكن إنّ التنفير لم يحصل عند المسلمين الذين جوَّزوا على النبيّ (ص) السّهو في العبادة !

     الجواب : إنّ تنفير الأكثر أو البعض كافٍ لنقض الغرض ؛ كما إنّ المضيف قد يعبس بوجه ضيوفه إلا أنّ ذلك لا ينفِّر بعضهم عن الطعام ، ولكن يبقى العُبُوس نقضا لغرض المضيف في إكرام ضيفه .

      ◄ الثاني (3): أمر الله تعالى باتِّباع المعصوم وعدم الاعتراض عليه (4)، فلو جاز السّهو أو الخطأ أو النسيان لوجب اتِّباعُهم على الباطل ، وهو قبيح .

     ◄ الثالث : إنّ الاحتياج للنبيّ والإمام عليهم الصلاة والسلام جوازُ الخطأ على الأمّة ، فلو جاز عليهما لاحتاجا إلى نبيّ أو إمام آخَرَين ، وهذا باطل للزومه التسلسل أو الدّور (5).

     ◄ الرابع : لو جاز ذلك لتزعزعت السُّـنَّـة وبالتالي الدين ؛ لِجَوَاز خَطَئِه في كلّ قول وفعل وتقريـر المُعَـوَّل عليها في مقام الاستنباط .

     ولقائل أن يقول : ولكن ما الضّير في ذلك إذا صحَّحَ خطأه مباشرة مُستدرِكا اتِّباع الأمَّة له فيها ؟
     الجواب : لو جاز عليه ذلك لَمَا صُدِّقَ في تصحيحه إذ يُحتَمَل خطؤه فيه نفسِه .
 
     ◄ الخامس : لو جاز ذلك في غير التبليغ لجاز تعدِّيه حدودَ الله ، فتَحِقُّ عليه صفة الظلم لقوله تعالى : ﴿... وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ< (6) ، والظالم لا يناله عهدُ اللهِ لقوله عزَّ من قائل : ﴿ ... لا يَنَـالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ< (7).

     ←الأدلّة النَّقليَّة :
     ◄ الأوّل : الحديث المشهور بين الخاصَّة والعامّة عن رسول الله (ص) قال : " صلّوا كما رأيتموني أُصلّي " ، وهذا الأمر بالاقتداء لو جاز معه السّهو أو الخطأ أو النسيان ، لاحتُمِلَ الاشتباه فيها أو حتى النّسخ لها ، فلا نهتدي إليها ، وهذا واضح في تضييع هيئة الدّعامة الأساسيّة للدّين وهي الصّلاة .

     ◄ الثاني : الحديث المشهور أيضا عند الفريقين عن الرسول (ص) أنّه قال : "خذوا عنّي مناسِكَكُم " ، وَجْهُ دلالته كالسّابق.

     ◄ الثالث : ما رَوَاهُ الصَّدوقُ (8) في كتاب العِلل في باب العلّة التي من أجلها صارت الإمامة في وِلدِ الحسين دون
الحسن عليهما السلام ، " عن أبيه (9) عن سعد بن عبدالله (10) عن أحمد بن محمّد بن عيسى (11) عن الحسين بن سعيد (12) عن حماد بن عيسى (13) عن إبراهيم بن عمر اليماني (14) عن أبي الطّفيل (15) عن أبي جعفر البـاقر عليـه السلام قال : قال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين (ع) : اُكتب ما أُمْلي عليك ، قال (ع) : يا نبيّ الله أوَ تخافُ عَلَيّ النِّسيان ؟ فقال (ص) : لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يُحْفِظَكَ ولا يُنسيك ، ولكن اكتب لشُرَكائِك ، قال (ع) : ومن شُركائي يا نبيّ الله ؟ قال (ص) : الأئمّة من وِلْدِك " (16).

      النِّسيان في هذا الحديث غير مقيّد بالتبليغ أو غيره ، فكيف لا يخاف على وصِيِّه من النسيان ويقع ذلك منه ؟!

     ◄ الرابع : حديث الثقلين المتواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : " إنّي تاركٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا : كتابَ اللهِ وعِتْرَتِي (17) أهلَ بيتي ، وإنّهما لنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ (18) " (19).

     هذا الحديث خاصّ في دلالته على عصمة أهل بيت النبوّة ومَعْدِن الرسالة عن مطلق الذنوب والسّهو والخطأ و النِّسيان ؛ فإنّ النفي التأبيديّ بـ "لن" للضّلال الذي قد يصيب الأمّة بترك اتِّباع القرآن والعِترة معًا ، يُسْكِتُ كلَّ جَدَلٍ ، ويُفْحِمُ كلَّ مُمَاحَكَةٍ حول التشكيك بعصمتهم المطلقة ، فلو جاز عليهم ذلك كيف تُصانُ الأمَّة من الضلال بالتمسُّك بهم ؟! 
     هكذا وبعد استكمال الأدلة العقليّة والنقليّة الدّالة على عِصْمَتِهِم عليهم الصّلاة والسّلام ، وتنـزيههم عن السّهو والخطأ والنِّسيان في كلِّ الأمور ، وفي جميع الأزمنة ، يبقى أن نقول : إنَّ الروايات التي جوَّزت السّهو على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُعارَضةٌ بظاهر القرآن ، وأحاديثَ كثيرةٍ ومشهورة ، فضلا عن ضَعْف أكثر أسانيدها ، وعدم خلوِّها من الإجمال أو الاضطراب والتناقض (20)، ومعارضتها للأدلّة العقليّة ، واستلزامها المفاسد ، كما يمكن حملُها على التقيّة بالنسبة للإمام (عليه السلام) أو تأويلها بالنسبة إليهما (21).

     وفي نهاية هذا المبحث ، إنَّ الإعتقاد بما توصَّلنا إليه أصبح أشبه بالضرورة ؛ فساحتهم صلوات الله عليهم  بريئة من عبادة الأوثان ، مُصَفَّاة مِن السّهو والنِّسيان ، نَبَّاعة بالخير والإحسان ، فَيَّاضة بما يُبْقي الإنسان (22)، فإن كان البحران على يد الرحمن يلتقيان ، فأيُّ شيء يخرج سوى اللُّؤْلُؤ والمَرْجَان (23)؟ 

_____________________

(1) النسيان : " هو الفقدان المؤقّت أو النهائيّ لِما حَفِظَته النفس من الصُّوَر والمهارات الحركيّة ، وهو قسمان :
- نسيان طبيعيّ : كما في فقدان الخطور التلقائيّ أو العجز عن التذكّر الإرادي .
- نسيان غير طبيعيّ : كما في أمراض الذاكرة .

(2) من السّهو والخطأ والنسيان .
(3) مرّ في المبحث الثاني من هذا الفصل .
(4) ﴿وما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا واتَّقُوا الله إنّ الله شديدُ العِقَاب﴾ سورة الحشر الآية : 7 . ﴿قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله ُوَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنَوبَكُمْ وَالله ُغَفُوْرٌ رَحِيْمٌ ﴾ سورة آل عِمران الآية :31 .
(5) أمّا التسلسل فقد مرَّ بيانه ، وأمّا الدّور : " فهو توقّف الشيء على نفسه " ؛ وفي المقام كما لو احتاج النبيّ الأوّلُ الثانيَ ، واحتاج الثاني الثالثَ ، والثالثُ الرابعَ ... واحتاج الرابعُ الأوّلَ ؛ يعني احتاج المتأخِّرُ المتقدِّمَ حين احتياجه المتأخِّرَ .

(6) سورة البقرة الآية : 229 .
(7) سورة البقرة الآية : 124 .
(8) رئيس المحدِّثين أبي جعفر الصّدوق محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّيّ المتوفّى سنة 381 هـ .
(9) علي بن الحسين بن  موسى بن بابويه القمّيّ "أبو الحسن " ، شيخ القمّييّن في عصره ، اجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي "السفير الثالث" ، وسأله مسائل ، ثمّ كاتَبَه بعد ذلك . رجال النجاشي ج 2 : 89 / ط . دار الأضواء بيروت .
(10) سعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعري القمّيّ "أبو القاسم" شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها . رجال النجاشي ج 1 : 401 .
(11) أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبدالله بن سعد بن مالك بن الأحوص بن السّائب بن مالك بن عامر الأشعري . رجال النجاشي ثقة  ج 1 : 216 .
(12) الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران وثّقه النجاشيّ مع أخيه . رجال النجاشيّ ج 1 : 171 .
(13) حماد بن عيسى " أبو محمّد الجهنيّ " ثقة في حديثه صدوقا . رجال النجاشي ج 1 : 337 .
(14) إبراهيم بن عمر اليمانيّ الصنعانيّ ثقة . رجال النجاشي ج 1 : 98 .
(15) محمّد بن أبي يونس تسنيم بن الحسن بن يونس ، كوفي ثقة عين صحيح الحديث . رجال النجاشي ج 2 : 213 .
(16) العِلل ج 1 : 208 / ط . النجف . ج 1 : 245 / ط . مؤسَّسة الأعلمي .

(17) عترتي أي ذُرِّيَّتي .
(18) " حوض الكوثر : هو خيرٌ كثير مَنَّ الله به على النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ طوله يعادل ما بين صنعاء والبصرة ، وأنّ على أطرافه كؤوسا بعدد نجوم السّماء ، تغرف الحور العين بها من الحوض ، فتسقي المؤمنين . الكؤوس تلك منها ما هو مصنوع من فِضّة الجنة ، ومنها ما هو مصنوع من البلِّور ، وحسب الروايات فإنّ الحوض مقسّم إلى ثلاثة أقسام : قِسم فيه شراب ، وقِسم فيه الحليب ، وقِسم فيه العسل ". (عقائد ومفاهيم) للسيّد دستغيب . صفحة 37 / ط . دار البلاغة .
(19) وسائل الشيعة ج 27 : 34 / ط . مؤسّسة آل البيت الطبعة الثانية . كنـز العمّال ج 5 : 290/ ط . مؤسّسة الرسالة .
(20) راجع كتاب " التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنـزيه المعصوم عن السّهو والنِّسيان " للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي .
(21) أي النبيّ (ص) والإمام (ع) .
(22) " لو بقيت الأرضُ بغير إمام لسَاخَت " . الكافي ج 1 : 233 / ط . دار التعارف .

(23) >مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُّؤُ والمَرْجَانُ< سورة الرحمن الآية : 19-20-21-22.



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 المجيد الماجد

 في وجوب كون المعصومين أفضل أهل زمانهم

 ذو المعارج النور

 صيد السلاح

 الإمام محمّد بن الحسن المهدي (عليهما السلام)

 توحيد الله تعالى 1

 صلاة الآيات

 عدة من لا تحيض وهي في سن من تحيض

 القنوت والتسبيح

 أحكام النون والميم المشددتين والغنة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net