﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 إثبات نبوة النبي محمد عقلا ومعاجزه  

القسم : نبوة النبي محمد ومعاجزه   ||   التاريخ : 2011 / 03 / 05   ||   القرّاء : 18299

    قبل الشُّروع في هذا الفصل نطرح السُّؤال التالي:

هل يجب على الواجب فِعلُ اللطفِ ؟

     ← أوّلا :  لا بدّ من تحديد معنى اللطف : " وهو ما يُقَرِّبُ العبدَ إلى الطاعة ويبعِّده عن المعصية " .

     ← ثانيا: الله يجب عليه اللطف لِكَرَمِهِ المطلق ؛ فلو كان هناك محلٌّ قابل لتلقّي فيضه ، فلا بدّ أن يفيض عليه من جوده ، إذ لا بخل في ساحة رحمته (1)، ولا نقص في جوده وكرمه .

      ولا شكَّ أنّ الواجب تعالى أراد بإيجادنا إيصالَنا إلى السَّعادة والكمال ، وهذا الغرض لا يتحقّق إلا بلطف منه يقرِّبنا إلى طاعته ويبعِّدنا عن معصيته ، وهذا لا يتمّ إلا بالتكليف ؛ فالإنسان مفطور على التنصُّل من المسؤوليّات ، والتحرّر من القيود ، والميل إلى الشهوات ، وغيرها من الأمور التي توقع في المداحض والمهالك(2) فإن لم يكلّف الله ُ تعالى عبدَه بتكاليفَ تَعِدُه بالثواب لفعل الحسن ، وتتوعَّده بالعقاب لفعل القبيح ، لكان مغريا بالقبيح ، وهو محال .
فلا بدّ من التكليف ، إذن لا بدّ ممّن يعلّمها ، وهو النبيّ (3) والإمام المعصومان المخالِفان لهواهما ، والمطيعان لأمْرِ مولاهما . 

      وهكذا تعيّن أنّ إرسال الأنبياء وتنصيب الأئمة (عليهم السلام) لإرشادنا إلى صِراط الكمال (4)، وإخراجنا من الظلمات إلى النور لطفٌ إلهيّ ، فيجب على الله تعالى فعلُه . ونصيغ برهان وجوب إرسال الأنبياء (عليهم السلام) على النحو التالي :

     - إرسال الأنبياء وتنصيب الأئمة (عليهم السلام) لطف (صغرى) .
     - وكلّ لطف يجب على الواجب تعالى فِعْلُه (كبرى) .
     » إذن إرسال الأنبياء وتنصيب الأئمة (عليهم السلام) واجب على واجب الوجود تعالى (النتيجة) .

      وهنا لا بدّ من الإشارة إلى معنى وجوب الشيء على الواجب تعالى ، فإذا وجب العدل عليه مثلا ، لا نعني أنّنا نُلزمه به كما توهَّم الأشاعرة ، وإنّما المقصود أنّ الله يفعله دون الظلم (5) لِما كتبه على نفسه (6)، ولِما تقتضيه حِكمتُه وتستدعيه رأفته ، فحاشا أن يُجْبَرَ وهو القادر المختار الذي ليس بعد إرادته إرادة . وفي المقام إذا قلنا : إنّ اللطف واجب ؛ يعني لازمٌ له غيرُ مُنْفَكٍّّ عنه ، كما تقول : إنّ الوجود واجب له ؛ أي يستحيل أن ينفكّ عنه .
_____________________

(1) لِما في البخل من قُبْح لا يفعله الله كما جاء في مبحث العدل .
(2) >زُيِّنَ للنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ  مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا والله ُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآبِ< سورة آل عِمران الآية : 14 .

(3) النبوّة : " هي وظيفة إلهيّة وسفارة ربّانيّة ، يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين ، وأوليائه الكاملين في إنسانيّتهم ، فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية إرشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة ، ولغرض تنـزيههم ، وتزكيتهم من دَرَن مساوئ الأخلاق ، ومفاسد العادات ، وتعليمهم الحكمة والمعرفة ، وبيان طريق السّعادة والخير لتبلغ الإنسانيّة كمالها اللائق بها ، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارَين ، دار الدنيا ودار الآخرة " . عقائد الإماميّة للشيخ المظفّر صفحة 72 / ط . دار الصّفوة .

(4) >كَمَا أرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُم آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ والحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ< سورة البقرة الآية : 151 .

(5) >... وأنَّ الله َ ليسَ بِظَلاَّم ٍ للعبيدِ< سورة آل عِمران الآية : 182 .

(6) >قُلْ لِمَنْ ما في السَّماوَاتِ والأرْضِ قُلْ للهِ كَتَبَ على نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ...< سورة الأنعام الآية : 12 .
_________________________________________________________________________________

في إثبات نبوّة النبي محمّد عقلا (1):

     - إنّ محمّد بن عبدالله قد ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده (صغرى) .
     - وكلّ من ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده فهو نبيّ حقّ (كبرى) .
     » إذن محمّد بن عبدالله نبيّ حقّ (النتيجة) .

     بيان الصغرى :
      
     ← أمّا ادِّعاؤه النبوّة فهو ثابت إجماعًا بحيث لم يُنكِرْه أحد .
     ← وأمّا ظهور المعجزة على يده ، فنحتاج لإثبات ذلك تحديدَ معنى المُعْجِزَة .

     المعجزة: "هي الأمر الخارق للعادة (2)، المطابق للدّعوى (3)، المتعذِّر على الخَلق (4) " . ولا شكّ أيضا في ظهور المعجزات على يده (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك معلوم بالتواتر (5) المفيد للعلم بالضرورة . ومن هذه المعجزات : 
        
     ◄القرآن الكريم: الذي تحدّى به الخلق رغم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُرَ تاليا ولا قارئا (6)، وطلب منهم الإتيان بمثله بل بسورة من مثله فلم يقدروا : >وإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلنَا على عَبْدِنا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِن دُونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقين* فإنْ لم تَفعَلوا ولنْ تَفعَلوا فاتَّقُوا النَّار التي وَقُودُهَا النَّاسُ والحِجَارَةُ أُعِدَّت للكافِرِينَ< (7).

     فالقرآن أذهل الإنس والجنّ بتراكيبٍ متناسقة عجيبة لا أمْتَ فيها ولا عِوَج (8)، مع أنّ نزوله استمرّ ثلاثا وثلاثين سنة في ظروف حائكة مشحونة بالتحدّيات ، ومحفوفة بالعقبات . هذا مع كون العرب أهلَ الفصاحة والبلاغة ، والماهرين بألفاظها وتراكيبها ، فعَدَلوا عن ذلك لِيُسَايِفُوه (9)، ممّا دلّ على عَجْزِهم تجاهه ، إذ العاقل لا يختار الأصعب مع إنجاع الأسهل إلا لعجز عن الأسهل . وهذه هي معجزة الإسلام الخالدة لاستمرار التحدّي إلى يومنا هذا .

     ◄ انشقاق القمر : جاء في تفسير قوله تعالى : >اقْـتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانْشَقَّ القَمَرُ * وإنْ يَرَوا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ< (10)، إنّ المشركين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشقَّ لهم القمرَ فِلقَـتَين ، فقال لهم : إن فعلتُ تؤمنون ؟ قالوا : نعم . وكانت ليلة بدر ، فسأل ربّه أن يعطيَه ما قالوا ، فانشقّ القمرُ فِلقَـتين ، ورسول الله صلى الله عليه وآله ينادي : يا فلان يا فلان اشهدوا . فقال أناس : سَحَرَنا محمد . فقال رجل : إن كان سَحَرَكُم فلمْ يسحرِ النّاسَ كُلَّهم (11) .

     ◄نُبُوع الماء من بين أصابعه : فقد جاء في مصادر متعدِّدة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أتى بقَدَح زجاج وفيه ماء قليل ، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ"قِباء" ، فوضع يده فيه فلم تدخل ، فأدخل أصابعه الأربعة ولم يستطع إدخال الإبهام ، وقال للنّاس : هلمّوا إلى الشراب ، حيث نبعت الماء من بين أصابعه حتى روى ما بين السَّبعين إلى الثمانين .

     ◄إشباع الخَلق الكثير من الطعام القليل : وذلك في حادثة >وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبـِين< (12)؛ حيث جمع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بني هاشم ليدعوَهم إلى الإسلام ، فقدّم لهم فَخْذَ شاة وكانوا أربعين رجلا ، فأكلوا حتى شبعوا .

     ◄تسبيح الحصى بين يديه : عن ابن عبَّاس قال : قَدِمَ مُلوك "حضرموت" على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : كيف نعلمُ أنّك رسولُ الله ؟ فأخَذَ كَفًّا مِن حَصى فقال : هذا يَشْهَدُ أنّي رسولُ الله ، فَسَبَّحَ الحَصَى في يدِه وشَهِدَ أنّه رسولُ الله (13).

     ◄كلام الذِّراع المسموم : رُوِيَ أنّه أُتِيَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بِشَاةٍ مَسمُومَة أهْدَتها له امرأةٌ يهوديَّة بـ "خيبر" ، وكانت سألتْ : أيّ شيء أحبّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشّاة ، فقيل لها : الذّراع (14)، فَسَمَّته، ولمّا عُرِضَ على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا أصحابه إليه ، فوضع يده ثم قال : ارفعوا فإنّها تخبرني أنهّـا مسمومة . ولو كان ذلك لارتيابه من اليهوديّة لمـا قَبِلَهَا ، ودعا أصحابه عليها .

     ◄حَنِينُ الجِذع : كان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطبُ في المدينة إلى جِذعِ نخلة ، في صَحْنِ مَسْجِدِهَا ، فطلبَ منه المسلمون أن يَصْنَعُوا له مِنْبَرًا حتى يَرَاهُ النّاس فَقَبِلَ ، فَلمَّا جَاءَ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليَخطبَ تَجَاوَزَ المِنبَرَ فارْتَفَعَ حَنِينُه وَأنِينُه حتى احْتَضَنَهُ الرسولُ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومَسَحَ عليه ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): اُسْكُنْ فما تجاوَزَك رسولُ الله تَهَاوُنا بك ولا اسْتِخْفَافًا بِحُرمَتِك ، ولكن لِتَتُمَّ لعِبَاد الله مَصلحَتُهُم .

     وهكذا تمَّت الصُّغرى بأنّ محمّد بن عبدالله ادَّعى النبوّة ، وظهرت المعجزة على يده .    


     بيان الكبرى (15):
      إنّ كل من ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده لا بدّ من أن يكون صادقا في دعواه ، وإلا لزم إغراء المكلّفين بالقبيح (16)، وهذا باطل لأنّ الواجب لايفعله لقبحه ، ولما فيه من تفويت غرضه ؛ وهو إيصال الناس إلى السّعادة والكمال .

      وبعد بيان صغرى القياس وكبراه يثبت أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّ حقّ.

_____________________

(1) رسول الله محمّد وأحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَي بن كلاب بن مُرَّة بن لؤي بن غالب   بن فِهْر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعد بن عدنان . بحار الأنوار ج 51 : 107 / ط . مؤسّسة الوفاء .
(2) فلولا ذلك لما كان مُعجِزا ، كطلوع الشمس من مشرقها .
(3) أمّا لو خالف المعجز دعواه لما دلّ على صدق مدّعاه ، كما حصل مع مُسَيْلَمَة الكذّاب ، إذ ادّعى أنّه يأمر الماء بالصعود ، فبعد أن قرأ تعاويذه ، نضب الماء فسمِّي بـِ" مسيلمة الكذّاب " .
(4) فلو كان أكثريُّ الوقوع لما كان خارقا للعادة وبالتالي لا يكون دالا على النبوّة .
(5) التواتر : " هو رواية جماعة كثيرة لخبر ما ، مع عدم احتمال تواطئهم على الكذب " .
(6) >وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذًا لارْتَابَ المُبْطِلُونَ< سورة العنكبوت الآية : 48 .
(7) سورة البقرة الآية : 23-24.

(8) >أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا< سورة النِّساء الآية : 82 .
(9) أي ليحاربوه بالسَّيف .
(10) سورة القمر الآية : 1-2 .
(11) التفسير الأصفى -الفيض الكاشاني- ج 2 : 1232 / ط . مكتبة الإعلام الإسلاميّ .
(12) سورة الشعراء الآية : 214 .
(13) المناقب لابن شهر آشوب ج 1 : 90 / المطبعة الحيدريّة .
(14) سُئِلَ الصّادق (عليه السلام) : لِمَ كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبّ الذِّراع أكثر من حبّه لسائر أعضاء الشَّاة ؟ فقال (عليه السلام) : لأنّ آدم (عليه السلام) قرّب قربانا عن الأنبياء (عليهم السلام) من ذرِّيته ، فسمِّى لكلّ نبيّ عضوًا ، وسمّى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذِّراع ، ثمّ كان يحبّ الذِّراع ويشتهيها ويحبّها ويفضّلها " عِلل الشرايع ج 1 : 162 / ط . الأعلمي .

(15) بأنّ كلَّ مَن ادّعى النبوّة ، وظهرت المعجزة على يده فهو نبيّ حقّ .
(16) فإنَّ تَرْكَ المُدَّعي للنبوّة كذبا دون فَضْحِهِ يُعَدَّ إضلالا للناس ، وإغراء بالقبيح .



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

البحوث الفقهية

البحوث العقائدية

البحوث الأخلاقية

حوارات عقائدية

فتاوى (معاملات)

سؤال واستخارة

فتاوى (عبادات)

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 كَبُرْتُ اليوم

 الاستدلال بآية الوضوء على وجوب مسح الرجلين

 العدالة

 السعادة

 قوى النفس

 البدن والنفس

 تلذُّذ النفس وتألمها

 العبادة البدنية والنفسية

 العلاقة بين الأخلاق والمعرفة

 المَلَكَة

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الكافي الأعلى

 الأطعمة

 المهر بعد فسخ الزواج

 هاتِ البشارة

 الأدلة القرآنية على إمامة علي (عليه السلام)

 أحكام الفسخ وارتداد أحد الزوجين

 الحسين وديعة النبي

 الإعراض عن الوطن

 مد الفرق

 القابض الباسط

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net