﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 لماذا إنا لله راجعون (لا عائدون)؟  

القسم : متفرقات لغوية   ||   التاريخ : 2025 / 05 / 14   ||   القرّاء : 47

🔴 لماذا إنا لله راجعون (لا عائدون)؟ 

قَال تعالىٰ: {إنَّا لِلّٰهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦)} [سورة البقرة]؛ إنَّه لمعنىٰ وَاضِحٌ لَا لَبْسَ فِيهِ، وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْ أَنْ الإِنْسَانَ صَدَرَ مِنْ اللَّهِ وسيرجعُ إلَيْه. وَلَكِنْ إنْ قَرَأْنَا الآيَةَ بِعَيْنٍ للفَصَاحَةِ مُرَاعِيَةٍ، ونَفْسٍ للأسرارِ وَاعِيَةٍ، فَلَرُبَّمَا خَطَرَ علىٰ بَالِنَا هَذَا السُّؤَالِ: لِمَاذَا قَالَ تعالىٰ: (رَاجِعُونَ) مُسْتَعْمِلًا الفِعْلَ (رَجَعَ)، وَلَمْ يَقُلْ (عَائِدُونَ) مُسْتَعْمِلًا الفِعْلَ (عَادَ)، كَمَا جَاءَ فِي العَهْدِ القَدِيمِ مِنْ الكِتَابِ المقدَّسِ: "بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّىٰ (تَعُودَ) إِلَىٰ الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَىٰ تُرَابٍ (تَعُودُ)" [سِفْر التكوين ٣: ١٩]، وَكَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تعالىٰ إشارةً إلىٰ الخلقِ من الأرضِ والعودةِ إليها والخروجِ منها: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا (نُعِيدُكُم) وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ}؟!

 

إلَيْكُم الْبَيَانَ وَلْيَكُنِ اَللَّهُ الْمُسْتَعَانَ: 

يُستعملُ الفِعْلُ (عَادَ) فِيمَا فِيهِ معنىٰ التَّكْرَارِ؛ لِذَلِك يُقالَ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي نُكَرِّرُهُ (عَادَةٌ). أمَّا الفِعْلُ (رَجَعَ) فَفِيهِ مَعْنَى الِانْتِقَالُ مِنْ نُقْطَةِ النِّهَايَة إلىٰ نُقْطَة الْبِدَايَة، أَوْ مِنْ الهَيْئَةِ الثَّانِيَةِ إلىٰ الهَيْئَةِ الأُولىٰ؛ لِذَلِك سمَّىٰ اللّٰهُ المَطَرَ (الرَّجْعَ)؛ فَقَال: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}؛ لِأَنَّ الْمَطَرَ رَدٌّ للغيومِ إلىٰ هَيْئَتِهَا الأُولىٰ وَهِي (الماءُ) قبلَ أنْ تَتَبَخَّرَ وتُصْبِحَ غَيْمًا. وكذا إذَا قِيلَ: (أَعَادَ الرَّاوِي حِكَايَةَ القِصَّةِ)؛ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ كرَّرَ سَرْدَهَا مِنْ جَدِيدٍ مَرَّةً أُخْرَىٰ. أمَّا إذَا قِيلَ: (أَرْجَعَ الرَّاوِي حِكَايَةَ القِصَّةِ)؛ فَالْمُرَادُ أنُّه رَدَّهَا إلىٰ بِدَايَتِهَا مِنْ حَيْثُ شَرَعَ. 

 

إذَا اتَّضَحَ مَا تقدَّمَ، عَرَفْنَا لِمَاذَا اسْتُعْمِلَ الْفِعْلُ (عَادَ) فِي عَوْدَةِ الإِنْسَانِ إلىٰ تُرَابِ الأَرْضِ، بَيْنَمَا اُسْتُعْمِلَ الفِعْلُ (رَجَعَ) فِي رُجُوعِهِ إلىٰ اللّٰه؛ ذَلِك أنَّ: 

- أوَّلًا: الهَيْئَةُ التُّرَابِيَّةُ الَّتِي كَانَ عَنْهَا الإِنْسَانُ لَيْسَتِ الْهَيْئَةَ الأُولىٰ لِمَاهِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ الهَيْئَةُ الوَسَطِيَّةُ بَيْنَ هَيْئَتِهِ الأُولىٰ الرُّوحِيَّةِ - بِاعْتِبَارِهِ رُوحًا مِنَ اللّٰهِ وَمَا كَانَ مِنْ رُوْحِ اللّٰهِ فَهُوَ أوَّلُ - وَهَيْئَتِهِ البَشَرِيَّةِ الثَّالِثَةِ؛ لِذَلِكَ لَمْ يُسْتَعْمَلِ الفِعْلُ (رَجَعَ) لِتَنَاسُبِ هَذَا المعنىٰ مَع الْعَوْدَةِ. 

- ثانيًا: إنَّ صَيْرُورَةَ الإِنْسَانِ تُرَابًا أَمْرٌ مُكَرَّرٌ؛ فَقَدْ كَانَ تُرَابًا ثُمَّ صَارَ بَشَرِيًّا، ثُمَّ يَصِيرُ تُرَابًا، ثُمَّ يَعُودُ بَشَرِيًّا يَوْمَ الدَّيْنُونَةِ. وَقَدْ أَلْمَعْنَا إلىٰ أنَّ التَّكْرَارَ مُنَاسِبٌ لِلْعَوْدَةِ لَا الرُّجُوعِ. 

أَمَّا الرُّجُوعُ، فَهُوَ مُنَاسِبٌ لِرُجُوعِ الإِنْسَانِ إلىٰ ربِّهِ حَيْثُ كَانَ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ جِبِلَّةَ إنْسَانٍ، وَهذا ما لَا تَكَرُّرَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ صُدُورٌ وَاحِدٌ وَرُجُوعٌ وَاحِدٌ لَا ثَانٍ؛ قَالَ تعالىٰ: {يٰٓا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِيٓ إِلٰىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)} [سورة الفجر]

(مَنَحَنَا اللّٰهُ وَإِيَّاكُمُ الطُّمَأْنِينَةَ وَالسَّلَامَ🙏🏽)

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 حكمة الطير

 لماذا إنا لله راجعون (لا عائدون)؟

 يا كاتب الأفراح

 سياسة التمساح (في الأدب السياسيّ)

 اشتمال الصلاة علي أركان الدين الخمسة

 الحشمة في الكتب السماوية

 الأخ الأكبر (الأدب السياسيّ)

 نكتة قرآنية عقائدية (سلطة الموت)

 الوفاء بالعهد

 إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 أبو طالب

 الجماع في العمرة المفردة

 زرع البويضة والحويمن

 حتى النبي ليس له الحكم على الناس

 نية الصوم

 المناجاة العاشرة: مناجاة المتوسلين

 العارض للوقف والإشمام والروْم

 التحريم بالزنا والعقد ووطء الشبهة

 للسفر وأحواله

 حقانية علي (عليه السلام) بالإمامة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net