🌹 حقُّ الأبِ (رسالة الحقوق)
جاءَ في (رسالة الحقوق) للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) في حقِّ الأبِ:
"وَأَمَّا حَقُّ أَبِيكَ، فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ لَوْلَاه لَمْ تَكُنْ، فَمَهْمَا رَأَيْتَ فِي نَفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ، فَاحْمُدِ اللّٰهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّٰهِ".
الشرح:
١."وَأَمَّا حَقُّ أَبِيكَ، فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ أَصْلُكَ، وَأنَّكَ لَوْلَاه لَمْ تَكُنْ".
وأمّا حقُّ أبيكَ، فاعلمْ أنَّهُ أصلُ وجودِكَ ومبدأُ امتدادِكَ، ولولاهُ ما كنتَ في عالَمِ الشهادةِ، ولا سمعتَ همسًا من نَسيمِ الحياةِ، ولا أبصرتَ نورًا في فجرِ النجاةِ.
فهو الجذرُ الذي نبتتْ منهُ غُصونُك، والينبوعُ الذي فاضتْ منهُ عيونُك، والبذرةُ التي منها أُقيمَ بنيانُك، وابتدأَ ميزانُك.
فاخشعْ له خشوعَ العارفِ بسرِّ القضاءِ، وذُلَّ له ذِلَّةَ المُوقنِ بحكمةِ الابتلاءِ، فإنَّهُ بابُ قدرِكَ، ومطلعُ سيرِكَ في دربِ دارِ الفناءِ.
٢. "فَمَهْمَا رَأَيْتَ فِي نَفْسِكَ مِمَّا يُعْجِبُكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَبَاكَ أَصْلُ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِيهِ".
ومهما رأيتَ في نفسِكَ مِمَّا يُعجبُكَ من فضلٍ أو حُسنٍ أو بهاءِ، فاذكرْ أنَّ أباكَ هو منبعُ العطاءِ، ومصدرُ السَّناءِ.
فإنْ كان فيكَ حكمةٌ، فهي من بذرِ عقلِه، وإنْ سكنتْ فيكَ هيبةٌ، فهي من نورِ جهدِه، وإنْ رفَّتْ عليكَ مهابةُ الطيبِ والوقارِ، فهي من ظلالِ صبرِه وبردِ الأسحارِ.
فلا يخدعنَّك زُهُوُّك بنفسِك، فإنَّك غصنٌ من شجرتِه، وثمرةٌ من حديقتِه، فاخفِضْ له جناحَ الوفاءِ، كما تنحني الأغصانُ المُثقَلةُ للغارسِ بالعطاءِ والدُّعاءِ.
٣. "فَاحْمُدِ اللّٰهَ وَاشْكُرْهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللّٰهِ".
فاحمدِ اللّٰهَ على جعلِك من نسلٍ كريمٍ، وأصلٍ مستقيمٍ، وشجرةٍ طيِّبةِ الغصونِ، راسخةِ الجذورِ والفنونِ.
واشكرْهُ شكرَ من علمَ أنَّهُ لا اختيارَ لهُ في موطنِه، ولا يدَ له في نسبِه، فكانت النعمةُ محضةً، والمِنَّةُ خالصةً، والحقيقةُ شاهدةً.
واذكرْ أنَّهُ لا حولَ لكَ في أمرِك، ولا قُوَّةَ في سَعْيِكَ، إلّا باللّٰهِ الواحدِ، فبهِ يُقوَّمُ الميزانُ، وبهِ يُفتَحُ بابُ الرضوانِ.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|