﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾
 
 

 طاقة التسليم الروحي  

القسم : متفرقات أخلاقية   ||   التاريخ : 2025 / 07 / 09   ||   القرّاء : 8

🙏🏽 طاقة التسليم الروحيِّ

تعريف المفهوم 

طاقةُ التَّسليمِ الرُّوحيِّ هي حَالَةٌ واعِيَةٌ مِنَ الٱنْفِتَاحِ الدَّاخِلِيِّ على مَجْرَى الإرَادَةِ الإِلٰهِيَّة، يَتَخَلَّى فِيهَا الإِنْسَانُ عَنْ وَهْمِ السَّيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ، فَيَسْمَحُ لِحِكْمَةِ الكَوْنِ أَنْ تَتَجَلَّى فِي حَيَاتِهِ بِلا مُقَاوَمَةٍ قَهْرِيَّةٍ.

منَ الزَّاوِيَةِ العِلْمِيَّةِ، تُقَارِنُ الدِّرَاسَاتُ العَصَبِيَّةُ بَيْنَ حَالَةِ التَّسْلِيمِ وَنَشاطِ الشَّبَكَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالوَعْيِ الدَّاخِلِيِّ (Default Mode Network)؛ حَيْثُ يَنْخَفِضُ فِيهَا فَرْطُ التَّفْكِيرِ وَيَرْتَفِعُ هُرْمُونُ (السَّيْرُوتُونِين والدُّوبَامِين) كاسْتِجَابَةٍ لِمَشَاعِرِ الْقَبُولِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.

 

دلالات التسليم في مناهج متعدِّدة

١. في الأخلاقِ الإِسْلاَمِيَّةِ:

يَرَى عُلَمَاءُ الأَخْلَاقِ أَنَّ التَّسْلِيمَ أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ؛ فَهُوَ كَمَا جَاءَ في بَيَانِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لمعنى (الحَوْقَلَةِ) أنَّ مَعْنَاهَا: "لَا حَوْلَ عَن مَعَاصِي اللّٰهِ إِلَّا بِعِصْمَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِعَوْنِهِ". 

 

٢. في الفَلْسَفَاتِ الشَّرْقِيَّةِ (البوذيَّةُ، الطاويَّةُ):

التَّسْلِيمُ تَنَاغُمٌ مَعَ تَدَفُّقِ الحَيَاةِ (Flow)، وَتَرْكُ التَّعَلُّقِ بِالنَّتَائِجِ، وتَحريرُ الـ(أنا) مِنْ غُلُوِّهَا؛ فَيُقْبَلُ الحَاضِرُ كَمَا هُوَ دونَ صِرَاعٍ دَاخِلِيٍّ.

 

٣. في عِلمِ النَّفْسِ وَالشِّفَاءِ الذَّاتِيِّ:

يُشِيرُ (دِيفِيد ر. هاوكينز) فِي كِتَابِه (Letting Go) إِلَى أَنَّ: "التَّسْلِيمَ العاطِفِيَّ يَرْفَعُ مُستوَى الوَعْيِ وَيُسْرِعُ مَسَارَ الشِّفَاءِ"؛ فَتَتَحَوَّلُ الطَّاقَةُ المُحْتَبَسَةُ فِي الْمَشَاعِرِ الْمَكْبُوتَةِ إِلَى وَعْيٍ مُتَّزِنٍ يُغَذِّي الْجِسْمَ وَالرُّوحَ.

 

الفرق_بين_التسليم_والاستسلام

- التَّسْلِيمُ ثِقَةٌ ويَقِينٌ، بَيْنَمَا الاسْتِسْلَامُ يَأْسٌ وَعَدَمُ حِيلَةٍ. 

- الأَثَرُ الدَّاخِلِيُّ لِلتَّسْلِيمِ قُوَّةٌ وَطُمَأْنِينَةٌ، بَيْنَمَا أَثَرُ الاسْتِسْلَامِ خُنُوعٌ وَضَعْفٌ. 

- مَعَ التَّسليمِ يَسْتَمِرُّ السَّعْيُ دونَ تَعَلُّقٍ بِالنَّتِيجَةِ، بَيْنَمَا مَعَ الاسْتِسْلَامِ يَتَوَقَّفُ الإِنْسَانُ عَنِ الْمُحَاوَلَةِ 

 

ثمار طاقة التسليم

١. سَكِينَةٌ داخِلِيَّةٌ وَٱنْخِفَاضُ مُعَدَّلِ الْقَلَقِ.

٢. وُضُوحٌ أَكْبَرُ فِي اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ بَعْدَ تَخَلِّي الضَّبَابِ العَاطِفِيِّ.

٣. تَزَايُدُ الٱبْتِهَاجِ الْحَيَوِيِّ (Eudaimonic Well‑Being)، وَهُوَ سَعَادَةُ الْمَعْنَى لَا لَذَّةُ اللَّحْظَةِ فَحَسْبُ.

٤. تَدَفُّقُ الفُرَصِ وَالنِّعَمِ بِدُونِ سَعْيٍ قَهْرِيٍّ؛ كَأَنَّ الْعَالَمَ يَتَرَتَّبُ لِدَعْمِ مَنْ يَثِقُ فِيهِ.

 

مشهد تطبيقيٌّ

رَجُلٌ يَتَقَدَّمُ لِوَظَائِفَ عِدَّةٍ وَلَا يَتِمُّ قَبُولُهُ:

فِي حَالِ الٱعْتِرَاضِ: يَغْضَبُ، يَشْعُرُ بِالظُّلْمِ، وَيَلُومُ الْقَدَرَ.

فِي حَالِ التَّسْلِيمِ: يُطَوِّرُ سِيرَتَهُ، يُقَدِّمُ أَوْرَاقَهُ بٱجْتِهَادٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (رَبِّ، فَعَلْتُ مَا بُوسْعِي، وَأُفَوِّضُ إِلَيْكَ أَمْرِي). فَتَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فُرْصَةٌ أَنْسَبُ لِمَهَارَاتِهِ لَمْ يَكُنْ يَتَخَيَّلُهَا.

 

زبدة المخاض

لَيْسَ التَّسْلِيمُ خُنُوعًا، بَلْ حِكْمَةً تَنْبَعُ مِنْ ثِقَةٍ عَمِيقَةٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَجْرِي فِي الكَوْنِ يَصُبُّ فِي نَهْرِ الرَّحْمَةِ الإِلٰهِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ بِالعَيَانِ وَيُفْقَهُ بالأَذْهَانِ. 

التَّسْلِيمُ لَيْسَ تَعْطِيلًا لِلعَقْلِ وَلَا لِلطَّمُوحِ، بَلْ تَكْليفٌ لِلْوَعْيِ بِأَنْ يَسْتَمِدَّ حَرَكَتَهُ مِنْ عِلْمِ اللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ، فَيَصِيرُ الجُهْدُ بَذْرَةً فِي أَرْضِ الثِّقَةِ، وَيَكُونُ الحَصَادُ أَكْرَمَ وَأَعْظَمَ مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ الإِنْسَانُ. هَكَذَا تَتَجَلَّى طاقةُ التَّسْليمِ الرُّوحيِّ جَسْرًا بَيْنَ العِلْمِ وَالرُّوحِ، وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ، تَرْفَعُ الْإِنْسَانَ إِلَى مَقَامِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالأُنْسِ بِاللّٰهِ تعالىٰ. 

➖➖➖➖➖➖➖➖

د. السيد حسين علي الحسيني 

واتساب: 009613804079 



 
 


الصفحة الرئيسية

د. السيد حسين الحسيني

المؤلفات

أشعار السيد

الخطب والمحاضرات

فتاوى (عبادات)

فتاوى (معاملات)

البحوث الفقهية

بحوث فلسفية وأخلاقية

البحوث العقائدية

حوارات عقائدية

متفرقات

سؤال واستخارة

سيرة المعصومين

أسماء الله الحسنى

أحكام التلاوة

الأذكار

أدعية وزيارات

الأحداث والمناسبات الإسلامية

     جديد الموقع :



 طاقة التسليم الروحي

 التنفيس الانفعالي Emotional Catharsis

 عاشوراء والفصح اليهودي (كذبة تاريخية)

 عَظَّمَ أم أَعْظَمَ اللّٰهُ أُجُورَكُم؟

 ظاهرة الصخب في محرَّم

 حقد يزيد على الإمام الحسين بسبب امرأة

 حكم طعام وجبة العشاء

 حق الأب (رسالة الحقوق)

 علامات آخر الزمان لدى اليهود

 سبب نزول {اليوم أكملت لكم دينكم}

     البحث في الموقع :


  

     ملفات عشوائية :



 الدفن

 زيارة الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يوم الأربعاء

 رومانسية الإمام الباقر ولبس الأحمر

 الخروج من مكة في عمرة التمتمع وبعدها

 زيارة الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم الاثنين

 زيارة الإمام محمد بن علي الجواد التقي (عليهما السلام) يوم الأربعاء

 المناجاة الحادية عشرة: مناجاة المفتقرين

 أحكام النون والميم المشددتين والغنة

 الركوع

 عدة الوفاة

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

Phone : 009613804079      | |      E-mail : dr-s-elhusseini@hotmail.com      | |      www.dr-s-elhusseini.net      | |      www.dr-s-elhusseini.com

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net