🙏🏽 طاقة التسليم الروحيِّ
تعريف المفهوم
طاقةُ التَّسليمِ الرُّوحيِّ هي حَالَةٌ واعِيَةٌ مِنَ الٱنْفِتَاحِ الدَّاخِلِيِّ على مَجْرَى الإرَادَةِ الإِلٰهِيَّة، يَتَخَلَّى فِيهَا الإِنْسَانُ عَنْ وَهْمِ السَّيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ، فَيَسْمَحُ لِحِكْمَةِ الكَوْنِ أَنْ تَتَجَلَّى فِي حَيَاتِهِ بِلا مُقَاوَمَةٍ قَهْرِيَّةٍ.
منَ الزَّاوِيَةِ العِلْمِيَّةِ، تُقَارِنُ الدِّرَاسَاتُ العَصَبِيَّةُ بَيْنَ حَالَةِ التَّسْلِيمِ وَنَشاطِ الشَّبَكَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالوَعْيِ الدَّاخِلِيِّ (Default Mode Network)؛ حَيْثُ يَنْخَفِضُ فِيهَا فَرْطُ التَّفْكِيرِ وَيَرْتَفِعُ هُرْمُونُ (السَّيْرُوتُونِين والدُّوبَامِين) كاسْتِجَابَةٍ لِمَشَاعِرِ الْقَبُولِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
دلالات التسليم في مناهج متعدِّدة
١. في الأخلاقِ الإِسْلاَمِيَّةِ:
يَرَى عُلَمَاءُ الأَخْلَاقِ أَنَّ التَّسْلِيمَ أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّفْوِيضِ وَالتَّوَكُّلِ؛ فَهُوَ كَمَا جَاءَ في بَيَانِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لمعنى (الحَوْقَلَةِ) أنَّ مَعْنَاهَا: "لَا حَوْلَ عَن مَعَاصِي اللّٰهِ إِلَّا بِعِصْمَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِعَوْنِهِ".
٢. في الفَلْسَفَاتِ الشَّرْقِيَّةِ (البوذيَّةُ، الطاويَّةُ):
التَّسْلِيمُ تَنَاغُمٌ مَعَ تَدَفُّقِ الحَيَاةِ (Flow)، وَتَرْكُ التَّعَلُّقِ بِالنَّتَائِجِ، وتَحريرُ الـ(أنا) مِنْ غُلُوِّهَا؛ فَيُقْبَلُ الحَاضِرُ كَمَا هُوَ دونَ صِرَاعٍ دَاخِلِيٍّ.
٣. في عِلمِ النَّفْسِ وَالشِّفَاءِ الذَّاتِيِّ:
يُشِيرُ (دِيفِيد ر. هاوكينز) فِي كِتَابِه (Letting Go) إِلَى أَنَّ: "التَّسْلِيمَ العاطِفِيَّ يَرْفَعُ مُستوَى الوَعْيِ وَيُسْرِعُ مَسَارَ الشِّفَاءِ"؛ فَتَتَحَوَّلُ الطَّاقَةُ المُحْتَبَسَةُ فِي الْمَشَاعِرِ الْمَكْبُوتَةِ إِلَى وَعْيٍ مُتَّزِنٍ يُغَذِّي الْجِسْمَ وَالرُّوحَ.
الفرق_بين_التسليم_والاستسلام
- التَّسْلِيمُ ثِقَةٌ ويَقِينٌ، بَيْنَمَا الاسْتِسْلَامُ يَأْسٌ وَعَدَمُ حِيلَةٍ.
- الأَثَرُ الدَّاخِلِيُّ لِلتَّسْلِيمِ قُوَّةٌ وَطُمَأْنِينَةٌ، بَيْنَمَا أَثَرُ الاسْتِسْلَامِ خُنُوعٌ وَضَعْفٌ.
- مَعَ التَّسليمِ يَسْتَمِرُّ السَّعْيُ دونَ تَعَلُّقٍ بِالنَّتِيجَةِ، بَيْنَمَا مَعَ الاسْتِسْلَامِ يَتَوَقَّفُ الإِنْسَانُ عَنِ الْمُحَاوَلَةِ
ثمار طاقة التسليم
١. سَكِينَةٌ داخِلِيَّةٌ وَٱنْخِفَاضُ مُعَدَّلِ الْقَلَقِ.
٢. وُضُوحٌ أَكْبَرُ فِي اتِّخَاذِ القَرَارَاتِ بَعْدَ تَخَلِّي الضَّبَابِ العَاطِفِيِّ.
٣. تَزَايُدُ الٱبْتِهَاجِ الْحَيَوِيِّ (Eudaimonic Well‑Being)، وَهُوَ سَعَادَةُ الْمَعْنَى لَا لَذَّةُ اللَّحْظَةِ فَحَسْبُ.
٤. تَدَفُّقُ الفُرَصِ وَالنِّعَمِ بِدُونِ سَعْيٍ قَهْرِيٍّ؛ كَأَنَّ الْعَالَمَ يَتَرَتَّبُ لِدَعْمِ مَنْ يَثِقُ فِيهِ.
مشهد تطبيقيٌّ
رَجُلٌ يَتَقَدَّمُ لِوَظَائِفَ عِدَّةٍ وَلَا يَتِمُّ قَبُولُهُ:
فِي حَالِ الٱعْتِرَاضِ: يَغْضَبُ، يَشْعُرُ بِالظُّلْمِ، وَيَلُومُ الْقَدَرَ.
فِي حَالِ التَّسْلِيمِ: يُطَوِّرُ سِيرَتَهُ، يُقَدِّمُ أَوْرَاقَهُ بٱجْتِهَادٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (رَبِّ، فَعَلْتُ مَا بُوسْعِي، وَأُفَوِّضُ إِلَيْكَ أَمْرِي). فَتَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فُرْصَةٌ أَنْسَبُ لِمَهَارَاتِهِ لَمْ يَكُنْ يَتَخَيَّلُهَا.
زبدة المخاض
لَيْسَ التَّسْلِيمُ خُنُوعًا، بَلْ حِكْمَةً تَنْبَعُ مِنْ ثِقَةٍ عَمِيقَةٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَجْرِي فِي الكَوْنِ يَصُبُّ فِي نَهْرِ الرَّحْمَةِ الإِلٰهِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ بِالعَيَانِ وَيُفْقَهُ بالأَذْهَانِ.
التَّسْلِيمُ لَيْسَ تَعْطِيلًا لِلعَقْلِ وَلَا لِلطَّمُوحِ، بَلْ تَكْليفٌ لِلْوَعْيِ بِأَنْ يَسْتَمِدَّ حَرَكَتَهُ مِنْ عِلْمِ اللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ، فَيَصِيرُ الجُهْدُ بَذْرَةً فِي أَرْضِ الثِّقَةِ، وَيَكُونُ الحَصَادُ أَكْرَمَ وَأَعْظَمَ مِمَّا يَتَصَوَّرُهُ الإِنْسَانُ. هَكَذَا تَتَجَلَّى طاقةُ التَّسْليمِ الرُّوحيِّ جَسْرًا بَيْنَ العِلْمِ وَالرُّوحِ، وَبَيْنَ الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ، تَرْفَعُ الْإِنْسَانَ إِلَى مَقَامِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالأُنْسِ بِاللّٰهِ تعالىٰ.
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079
|