🐸 سياسة الضفدغ المغلي
في تجربة علميَّة، وضع العلماء ضفدعًا في وعاء يحتوي على مياه يتمُّ تسخينها تدريجيًّا.
وكلَّما كانت المياه تسخن، كان الضفدع يعدِّل من حرارة جسمه، لتبقىٰ المياه ملائمة فلا يُرْغَمُ علىٰ القفز من الوعاء الساخن، وتغيير واقعه الذي سبق واستأنس به، مهما كان هذا الواقع.
ويبقىٰ الضفدع المسكين علىٰ هذه الحال إلىٰ أنْ تصل المياه إلىٰ درجة الغليان التي لا يقدر علىٰ مجاراتها مهما عدَّل من حرارة جسمه، فيموت بِعِنْدِه داخل الوعاء، دون أنْ يُدْرِكَ أنَّ منهجه في التعامل مع المحيط قد أرْداه قتيلا، وجَعَلَ حياته مَحْضَ هباء.
شرع العلماء القائمون علىٰ التجربة بدرس سلوك الضفدع، واستنتجوا أنّ ما قتل الضفدعَ ليس الماء المغليَّ؛ لأنه كان قادرا على القفز منه، ولكنَّه اختار أنْ لا يفعل، وإنَّما الذي قتله هو إصراره علىٰ قبول المياه الساخنة والتأقلم معها إلىٰ حدٍّ أفقده الطاقة اللَّازمة لإنقاذ حياته في اللحظة الأخيرة.
💠 اِخْتَرْ حَيَاتَكَ
إنَّ النظريَّة أعلاه غالبًا ما تسري في علاقاتنا وانتماءاتنا، وتوضيحه:
تبدأ القصَّة في اعتناقنا عقيدة ما أو انتسابنا إلىٰ جهة ما أو تعلُّقنا بشخص ما؛ حيث تُمْلِي علينا عواطفنا أنَّ هذه العقيدة أو هذه الجهة أو هذا الشخص هو ضالَّتنا التي ما انفككنا نبحث عنها ونتوق إليها لتروي صدانا، وتسدَّ فاقتنا العقائديَّة أو النفسيَّة أو الروحيَّة أو العاطفيَّة أو الاجتماعيَّة.
ولا ينفع اكتشافنا للآفات التي نراها في اختيارنا؛ لأنَّنا نفكر بعواطفنا ممَّا يجعل تفكيرنا العقلائيَّ أكثر تدنِّيًا، فيجعل التشوُّهَ حُسْنًا، والعيبَ جمالًا.
ورغم ما نجده من اختلاف في مختارنا، إلا أنَّنا نبدأ بمحاولة الانسجام مع هذه الاختلافات وتقبُّلها؛ تماما كما يفعل الضفدع حينما يرفع من حرارة جسمه لنستطيع الصمود في هذا المحيط المغاير لطبيعتنا والمنافر لتركيبتنا النفسيَّة، ولكن كما يقال: "الحُبُّ يُعْمِي وَيُصِمُّ".
ثم نبقىٰ علىٰ هذه الحال حتىٰ تقع الفأس في الرأس، فنفيق من سباتنا الذي منعنا من التَّجَرُّدَ لنحكم بنزاهة وإنصاف بعيدَينِ عن أيِّ تشويش عاطفيٍّ ناشئٍ من الضعف والعَوَز، ومُنْصِتِينَ إلى صوت العقل وتنبيهاته إلىٰ سلبيَّات المختار وعدم ملاءمته لطبيعتنا.
💠 زُبْدَةُ المَخَاضِ
يا إخوتي في الإنسانيَّة! إنْ هي إلا حياة واحدة نحياها، فَحَيَّ علىٰ التفكير والتشكيك والنقد بكلِّ تَجَرُّدٍ وموضوعيَّة لكلِّ ما نختار، فلا نفترض نتائجَ مُسَبَّقَة نكون أسرىٰ لها، حتىٰ نصل إلىٰ الحقيقة الحَقَّة كما هي، مُعَرَّاةً عن أيِّ تزييف واستحسانات غير منطقيَّة، وإنما تزيِّنها لنا عواطفنا.
واعلموا أنَّنا وُجِدْنَا (عاقلين) حتىٰ نَتَعَلَّمَ، وهو باب المَرَام، نَدْخُلُهُ فَنَعْقِلُ ما تَعَلَّمْناهُ علىٰ سُلَّمُ التَّدَبُّرِ بلا افتراضِ أحكام، حتىٰ يَأْتِيَنا اليقينُ الذي اخترنا العُرُوْجَ إليه بلا إرْغام، وهناك سَنُمْنَحُ الطُّمَأْنِينَةَ وَيَسْكُنُنَا السَّلام...
➖➖➖➖➖➖➖➖
د. السيد حسين علي الحسيني
واتساب: 009613804079

|